التفاسير

< >
عرض

إِنَّ شَرَّ ٱلدَّوَابِّ عِندَ ٱللَّهِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ
٥٥
ٱلَّذِينَ عَاهَدْتَّ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لاَ يَتَّقُونَ
٥٦
فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي ٱلْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِم مَّنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ
٥٧
وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً فَٱنْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَىٰ سَوَآءٍ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ ٱلخَائِنِينَ
٥٨
وَلاَ يَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ سَبَقُوۤاْ إِنَّهُمْ لاَ يُعْجِزُونَ
٥٩
-الأنفال

بحر العلوم

{ إِنَّ شَرَّ ٱلدَّوَابّ عِندَ ٱللَّهِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ } يعني شر الناس. قال ابن عباس رضي الله عنهما: نزلت في بني قريظة، كعب بن الأشرف وأصحابه لأنهم عاهدوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم نقضوا العهد وأعانوا أهل مكة بالسلاح على قتال النبي - عليه السلام -. ثم قالوا نسينا وأخطأنا، فعاهدهم مرة أُخرى فنقضوا العهد فذلك قوله تعالى: { وَهُمْ لاَ يَتَّقُونَ } نقض العهد قوله تعالى: { فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي ٱلْحَرْبِ } يقول إن تظفر بهم في الحرب يعني في القتال، ويقال إن أدركتهم في القتال { فَشَرّدْ بِهِم } يقول نكل بهم في العقوبة { مّنْ خَلْفَهُمْ } يعني ليتَّعِظْ بهم من بعدهم الذين بينك وبينهم عهد، ويقال افعل بهم فعلاً من العقوبة والتنكيل يفرق به من وراءهم من أعدائك. وقال أبو عبيدة: { فشرد بهم } إنها لغة لقريش سمع بهم أي خوف والتشريد في كلامهم التشريد والتفريق { لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ } يعني: النكال فلا ينقضون العهد. قوله تعالى: { وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً } يعني وإن علمت من قوم نقض العهد، والخيانة أن يؤتمن الرجل على شيء فلا يؤدي الأمانة، وسمي ناقض العهد خائناً لأنه اؤتمن بالعهد فغدر ونكث { فَٱنبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَىٰ سَوَاءٍ } أي: فأعلمهم بأنك قد نقضت العهد وأعلمهم بالحرب لتكون أنت وهم في العلم بالنقض على سواء. وقال القتبي إذا أردت أن تعرف فضل العربية على غيرها فانظر في الآية وقد ترجموا سائر الكتب، ومن أراد أن يترجم القرآن إلى لغة أُخرى فلا يمكنه ذلك، لأنك لو أردت أن تنقل قوله وإما تخافن من قوم خيانة لم تستطع بهذا اللفظ ما لم تبسط مجموعها وتظهر مستورها فتقول إن كان بينك وبين قوم هدنة وعهد فخفت منهم خيانة ونقضاً، فأعلمهم أنك قد نقضت ما شرطت لهم وآذنهم بالحرب لتكون أنت وهم في العلم بالنقض على سواء ثم قال { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ ٱلخَـٰئِنِينَ } يعني الناقضين للعهد. قوله تعالى: { وَلاَ يَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } يعين لا يظنن الذين كفروا من العرب وغيرهم من الذين جحدوا بوحدانية الله تعالى { سَبَقُواْ } يعني فاتوا بأعمالهم الخبيثة { إِنَّهُمْ لاَ يُعْجِزُونَ } يقول لن يفوتوا الله تعالى حتى يعاقبهم. ويقال لا يجحدون الله تعالى عاجزاً عن عقوبتهم. قرأ ابن عامر وحمزة وعاصم في رواية حفص (وَلاَ يَحْسَبَنَّ) بالياء على وجه المغايبة ونصب السين، وقرأ عاصم في رواية أبي بكر (وَلاَ تَحْسَبَنَّ) بالتاء على وجه المخاطبة ونصب السين، وقرأ الباقون على وجه المخاطبة وكسر السين. وقرأ ابن عامر (أَنَّهُمُ) بالنصب على معنى البناء. وقرأ الباقون بالكسر على معنى الابتداء. فمن قرأ بالنصب معناه لأنهم لا يعجزون يعني لا يفوتون. وقرأ بعضهم بكسر النون (لاَ يُعْجِزُونِ) يعني لا يعجزونني وهي قراءة شاذة. قوله تعالى: { وَأَعِدُّواْ لَهُمْ... }