التفاسير

< >
عرض

عَبَسَ وَتَوَلَّىٰ
١
أَن جَآءَهُ ٱلأَعْمَىٰ
٢
وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّىٰ
٣
أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنفَعَهُ ٱلذِّكْرَىٰ
٤
أَمَّا مَنِ ٱسْتَغْنَىٰ
٥
فَأَنتَ لَهُ تَصَدَّىٰ
٦
وَمَا عَلَيْكَ أَلاَّ يَزَّكَّىٰ
٧
وَأَمَّا مَن جَآءَكَ يَسْعَىٰ
٨
وَهُوَ يَخْشَىٰ
٩
فَأَنتَ عَنْهُ تَلَهَّىٰ
١٠
كَلاَّ إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ
١١
فَمَن شَآءَ ذَكَرَهُ
١٢
فَي صُحُفٍ مُّكَرَّمَةٍ
١٣
مَّرْفُوعَةٍ مُّطَهَّرَةٍ
١٤
بِأَيْدِي سَفَرَةٍ
١٥
كِرَامٍ بَرَرَةٍ
١٦
-عبس

بحر العلوم

قوله تعالى { عَبَسَ وَتَوَلَّىٰ } أي كلح وأعرض بوجهه يعني النبي - صلى الله عليه وسلم - وروى هشام ابن عروة قال كان النبي - صلى الله عليه وسلم - جالساً ومعه عتبة بن ربيعة في ناس من وجوه قريش وهو يحدثهم بحديث فجاء ابن أم مكتوم على تلك الحال فسأله عن بعض ما ينفع به فكره النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يقطع كلامه وقال في رواية مقاتل كان اسم ابن أم مكتوم عمر بن قيس، وقال في رواية الكلبي كان اسمه عبد الله بن شريح فقال يا رسول الله علمني مما علمك الله تعالى فأعرض عنه شغلاً بأولئك القوم لحرصه على إسلامهم فنزل (عبس وتولى) وهو بلفظ المغايبة تعظيماً للنبي - صلى الله عليه وسلم - عبس محمد - صلى الله عليه وسلم - وجهه وتولى يعني وأعرض { أَن جَاءهُ ٱلأَعْمَىٰ } يعني إن جاءه الأعمى ويقال حين جاءه الأعمى وهو ابن أم مكتوم ثم قال: { وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّىٰ } يعني وما يدريك يا محمد لعله يصلي أو يفلح فيعمل خيراً فيتعظ بالقرآن ويقال يعني يزداد خيراً { أَوْ يَذَّكَّرُ } يعني يتعظ بالقرآن { فَتَنفَعَهُ ٱلذّكْرَىٰ } يعني العظة ثم قال { أَمَّا مَنِ ٱسْتَغْنَىٰ } يعني استغنى بنفسه عن ثواب الله، ويقال استغنى بماله ونفسه عن دينك وعظمتك { فَأَنتَ لَهُ تَصَدَّىٰ } يعني تقبل بوجهك عليه، ويقال تصدى يعني تعرض، يقال: فلان تصدى لفلان إذا تعرض له ليراه. قرأ عاصم أو يذكر فتنفعه الذكرى بنصب العين، جعله جواباً لعله يتذكر فتنفعه الذكرى، وقرأ الباقون بالضم جعلوه جواباً للفعل، قرأ نافع وابن كثير تصدى بتشديد الصاد لأن الأصل تتصدى فأدغمت وشددت والباقون بحذف التاء للتخفيف فهذا كقوله { { فَقُلْ هَل لَّكَ إِلَىٰ أَن تَزَكَّىٰ } [النازعات:18] ثم قال { وَمَا عَلَيْكَ أَلاَّ يَزَّكَّىٰ } يعني أي شيء عليك إن لم يوجد عتبة وأصحابه ويقال: لا يضرك إن لم يؤمن ولم يصلح ثم قال عز وجل { وَأَمَّا مَن جَاءكَ يَسْعَىٰ } يعني يسرع إلى الخير ويعمل به وهو ابن أم مكتوم، ويقال يعني يمشي برجليه { وَهُوَ يَخْشَىٰ } ربه { فَأَنتَ عَنْهُ تَلَهَّىٰ } يعني تشتغل وتتلاهى وتتغافل وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يكرم ابن أم مكتوم بعد نزول هذه الآية قوله تعالى { كَلاَّ } يعني لا تفعل ولا تقبل على من استغنى عن الله تعالى بنفسه وتعرض عمن يخشى الله تعالى ثم قال { إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ } يعني هذه الموعظة تذكرة ويقال هذه السورة تذكرة يعني موعظة { فَمَن شَاء ذَكَرَهُ } يعني ذكر المواعظ وذكره بلفظ التذكير ولم يقل ذكرها لأنه ينصرف إلى المعنى لأن الموعظة إنما هي بالقرآن يعني فمن شاء أن يتعظ بالقرآن فليتعظ { فَى صُحُفٍ مُّكَرَّمَةٍ } يعني أن هذا القرآن في صحف مكرمة يعني مطهرة مبجلة معظمة وهو اللوح المحفوظ { مَّرْفُوعَةٍ } يعني مرتفعة { مُّطَهَّرَةٍ } يعني منزهة عن التناقض والكذب والعيب { بِأَيْدِى سَفَرَةٍ } يعني الكتبة الذين يكتبون في اللوح المحفوظ، ثم أثنى على الكتبة فقال { كِرَامٍ } على الله { بَرَرَةٍ } أي مطيعين لله تعالى، ويقال بررة من الذنوب، وقال القتبي السفرة الكتبة وأحدهما سافر وإنما يقال للكاتب سافر لأنه يبين الشيء ويوضحه ويقال أسفر الصبح إذا أضاء البررة جمع بار مثل كفرة وكافر.