التفاسير

< >
عرض

وَٱلسَّمَآءِ ذَاتِ ٱلْبُرُوجِ
١
وَٱلْيَوْمِ ٱلْمَوْعُودِ
٢
وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ
٣
قُتِلَ أَصْحَابُ ٱلأُخْدُودِ
٤
ٱلنَّارِ ذَاتِ ٱلْوَقُودِ
٥
-البروج

بحر العلوم

قوله تعالى: { وَٱلسَّمَاء ذَاتِ ٱلْبُرُوجِ } يعني: ذات النجوم والكواكب ويقال ذات القصور وقال عطية العوفي كان القصور في السماء على أبوابه قال قتادة البروج النجوم وكذلك قال مجاهد أقسم الله تعالى بالسماء ذات البروج وجواب القسم قوله تعالى { { إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ } [البروج:12] ثم قال: { وَٱلْيَوْمِ ٱلْمَوْعُودِ } يعني: يوم القيامة، قال مقاتل اليوم الموعود الذي وعدهم أن يصيرهم إليه وقال الكلبي وعد أهل السماء وأهل الأرض أن يصيروا إلى ذلك اليوم { وَشَـٰهِدٍ وَمَشْهُودٍ } ذكر مقاتل عن علي رضي الله عنه قال: الشاهد يوم الجمعة والمشهود يوم النحر يوم الحج الأكبر وروي عن ابن عباس أنه قال الشاهد محمد - صلى الله عليه وسلم - كقوله تعالى: { { وَجِئْنَا بِكَ عَلَىٰ هَـٰؤُلاۤءِ شَهِيداً } [النساء:41] والمشهود يوم القيامة كقوله تعالى { { وَذَٰلِكَ يَوْمٌ مَّشْهُودٌ } [هود:103] وروى جويبر عن الضحاك مثله وروى أبو صالح عن ابن عباس قال "الشاهد يوم الجمعة والمشهود يوم عرفة" وروى سعيد بن المسيب عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال "سيد الأيام يوم الجمعة وهو شاهد ومشهود يوم عرفة" وروى جابر بن عبد الله قال "الشاهد يوم الجمعة والمشهود يوم عرفة" وروى مجاهد عن ابن عباس قال الشاهد ابن آدم والمشهود يوم القيامة وقال عكرمة مثله وقال بعضهم الشاهد آدم والمشهود ذريته ثم قال عز وجل: { قُتِلَ أَصْحَـٰبُ ٱلأُخْدُودِ } يعني: لعن أصحاب الأخدود { ٱلنَّارِ ذَاتِ ٱلْوَقُودِ } يعني: يصيرون إلى النار ذات الوقود في الآخرة وقال الكلبي النار ارتفعت فوقهم أربعين ذراعاً فوقعت عليهم وأحرقتهم وقتلتهم وذلك قوله قتل أصحاب الأُخدود النار ذات الوقود قال حدثنا أبو جعفر حدثنا علي بن أحمد قال حدثنا محمد بن الفضل حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد ابن سلمة ثنا عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن صهيب قال ذكر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أصحاب الأخدود فقال كان ملكاً من الملوك كان له ساحر فكبر الساحر فقال للملك إني قد كبرت فلو نظرت غلاماً في أهلك فطناً كيساً فعلمته على هذا فنظر إلى غلام من أهله كيس فطن فأمره أن يأتيه ويلزمه وكان بين منزل الغلام ومنزل الساحر راهب فقال الغلام لو دخلت على هذا الراهب وسمعت من كلامه فدخل عليه فأعجبه قوله وكان أهله إذا بعثوه إلى الساحر دخل الغلام على الراهب واحتبس عنده فإذا أتى الساحر ضربه وقال ما حبسك فإذا رجع من عند الساحر إلى أهله دخل على الراهب فاحتبس عنده. فإذا أتى أهله ضربوه وقالوا ما حبسك فشكى ذلك إلى الراهب فقال له الراهب إذا قالوا لك ما حبسك فقل حبسني الساحر وإذا قال لك الساحر ما حبسك فقل حبسني أهلي فبينما هو ذات يوم يريد الساحر إذا هو بدابة هائلة يعني كبيرة قد قطعت الطريق على الناس فقال اليوم يتبين لي أمر الراهب فأخذ حجراً ودنا من الدابة فقال اللهم إن كان أمر الراهب حقاً فاقتل هذه الدابة ورماها بالحجر فأصاب مقتلها فقتلها فقال الناس إن هذا الغلام قتل هذه الدابة واشتهر أمره فأتى الراهب فأخبره فقال يا بني أنت خير مني فلعلك أن تبتلى لا تدلن عليَّ فبلغ أمر الغلام أنه كان يبرىء الأكمه والأبرص ويداوي من الأرض فعمي جليس الملك فذكر له الغلام فأتاه فقال يا بني قد بلغ من سحرك أنك تبرىء الأكمه والأبرص فقال الغلام ما أنا بساحر ولا أشفي أحداً ولا يشفي إلا ربي فقال له الرجل "هذا الملك ربك قال لا ولكن ربي ورب الملك الله تعالى فإن آمنت بالله تعالى به دعوت الله تعالى فشفاك فأسلم فدعا الله تعالى فبرىء فأتى الملك فقال له الملك أليس يا فلان قد ذهب بصرك فقال بلى ولكن رده علي ربي فقال أنا قال لا ولكن ربي وربك الله قال أولك رب غيري قال نعم وربك وربي الله تعالى. فلم يزل به حتى أخبره بأمر الغلام فأرسل إلى الغلام فجاءه فقال يا بني قد بلغ من سحرك أنك تشفي من كذا وكذا فقال ما أنا بساحر ولا أشفي أحداً وما يشفي إلا ربي فقال أنا قال لا ولكن ربي وربك الله تعالى فلم يزل به حتى دل على الراهب فدعي الراهب فأتى به فأراد أن يرجع من دينه فأبى وأمر بمنشار فوضع في مفرق رأسه فشق به حتى سقط شقاه ثم دعا بجليسه وأراد أن يرجع عن دينه فأبى فأمر بمنشار فشق حتى سقط شقاه فأمر الغلام أن يفعل ذلك بمكانه فقال احملوه في سفينة فانطلقوا به حتى إذا لججتم به فغرقوه فانطلقوا به حتى لجوا به فلما أرادوا به ذلك فقال اللهم اكفينهم بما شئت فانكبت بهم السفينة فغرقوا فجاء الغلام حتى قام بين يدي الملك فأخبره بالذي كان فقال انطلقوا به إلى جبل كذا وكذا فإذا كنتم في ذروة الجبل دهدهه عنه فانطلقوا به حتى إذا كانوا بذلك المكان فقال اللهم اكفينهم بما شئت فتدهدهوا عن الجبل يميناً وشمالاً فجاء حتى قام بين يدي الملك فأخبره بالذي كان وقال إن تجمع الملك إنك لا تقدر على قتلي حتى تفعل بي ما آمرك به فقال وما هو قال تجمع أهل مملكتك في صعيد واحد ثم تصلبني وتأخذ سهماً من كتابي فترميني به وتقول بسم الله رب هذا الغلام فأصاب صدغه فوضع يده على صدغه فمات فقال الناس آمنا برب هذا الغلام فقيل للملك وقعت فيما كنت تجاوز وقد أسلم الناس فقال خذوا يا قوم الطريق وخذوا فيها أخدوداً وألقوا فيها النار (فمن رجع) عن دينه وإلا فألقوه فيها ففعلوا فجعل الناس يجيئون ويلقون أنفسهم في الأخدود حتى كان آخرهم امرأة ومعها صبي لها رضيع تحمله فلما دنت من النار وجدت حرها فولت فقال لها الصبي يا أماه امضي فإنك على الحق فرجعت وألقت نفسها في النار فذلك قوله عز وجل قتل أصحاب الأخدود النار ذات الوقود وروي في خبر آخر أن الملك كان على دين اليهودية يقال له ذو نواس واسمه زرعة ملك حمير وما حولها فكان هناك قوم دخلوا في دين عيسى عليه السلام فحفر لهم أخدوداً فأوقد فيها النار وألقاهم في الأخدود فحرقهم وحرق كتبهم ويقال كان الذين على دين عيسى عليه السلام بأرض نجران فسار إليهم من أرض حمير حتى أحرقهم وأحرق كتبهم فأقبل منهم رجل فوجد مصحفاً فيها وإنجيلاً محترقاً بعضه فخرج به حتى أتى به ملك الحبشة فقال له إن أهل دينك قد أوقدت لهم النار فحرقوا بها وحرق كتبهم فأراه الذي جاء به ففزع الملك لذلك وبعث إلى صاحب الروم وكتب إليه يستمده بنجارين يعملون له السفن فبعث إليه صاحب الروم من يعمل له السفن فحمل فيها الناس فخرج به فخرجوا ما بين ساحل عدن إلى ساحل جازان وخرج إليهم أهل اليمن فلقوهم بتهامة واقتتلوا فلم ير ملك حمير له بهم طاقة وتخوف أن يأخذوه فضرب فرسه حتى وقع في البحر فمات فيه فاستولى أهل الحبشة على ملك حمير وما حوله وبقى الملك لهم إلى وقت الإسلام، وروي في الخبر أن الغلام الذي قتله الملك دفن فوجد ذلك الغلام في زمان عمر بن الخطاب رضي الله عنه واضعاً يده على صدغه كما كان وضعها حين قتل وكلما أخذ يده سال منه الدم وإذا أرسل يده انقطع الدم فكتبوا إلى عمر بن الخطاب بذلك فكتب إليهم أن ذلك الغلام صاحب الأخدود فاتركوه على حاله حتى يبعثه الله تعالى يوم القيامة على حاله وذلك قوله تعالى (قتل أصحاب الأخدود) يعني: لعن أصحاب الأخدود وهم الذين خدوا أخدود النار ذات الوقود يعني الأخدود ذات النار الوقود ويقال قتل أصحاب الأخدود يعني: أهل الحبشة قتلوا أصحاب الأخدود أصحاب النار ذات الوقود.