التفاسير

< >
عرض

هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ٱلْغَاشِيَةِ
١
وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ
٢
عَامِلَةٌ نَّاصِبَةٌ
٣
تَصْلَىٰ نَاراً حَامِيَةً
٤
تُسْقَىٰ مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ
٥
لَّيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلاَّ مِن ضَرِيعٍ
٦
لاَّ يُسْمِنُ وَلاَ يُغْنِي مِن جُوعٍ
٧
وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاعِمَةٌ
٨
لِّسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ
٩
فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ
١٠
لاَّ تَسْمَعُ فِيهَا لاَغِيَةً
١١
فِيهَا عَيْنٌ جَارِيَةٌ
١٢
فِيهَا سُرُرٌ مَّرْفُوعَةٌ
١٣
وَأَكْوَابٌ مَّوْضُوعَةٌ
١٤
وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ
١٥
-الغاشية

بحر العلوم

قوله تعالى: { هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ٱلْغَـٰشِيَةِ } هل استفهام واستفهم الله تعالى نبيه - صلى الله عليه وسلم - ولم يكن أتاه بعد فكأنه قال لا يأتيك خبره ثم أخبره، ويقال معناه قد أتاك حديث الغاشية، والغاشية اسم من أسماء يوم القيامة، وإنما سميت غاشية لأنها تغشى الخلق كلهم كما يقال يوماً كان شره مستطيراً، ويقال الغاشية النار، وإنما سميت غاشية لأنها تغشى وجوه الكفار كما قال { { وَتَغْشَىٰ وُجُوهَهُمْ ٱلنَّارُ } [إبراهيم:5] أو كقوله { { يَوْمَ يَغْشَـٰهُمُ ٱلْعَذَابُ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ } [العنكبوت:55]، ويقال الغاشية دخان النار يخرج من النار يوم القيامة عنق من النار فيحيط بالكفار مثل السرادق ويجيء دخانها فيغشى الخلائق حتى لا يرى بعضهم بعضاً إلا من جعل الله تعالى له نوراً بصالح عمله في الدنيا كقوله { { كالقَصْرِ كَأَنَّهُ جِمَـٰلَةٌ صُفْرٌ } [المرسلات:33] وكقوله { { وَظِلٍّ مِّن يَحْمُومٍ } [الواقعة:43] ويقال تغشى الغاشية الصراط المنافقين كقوله { { ٱنظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ } [الحديد:13] الآية ثم وصف ذلك اليوم وقال { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَـٰشِعَةٌ } يعني من الوجوه وجوه يومئذ خائفة ذليلة في العذاب وهي وجوه الكفار ثم قال { عَامِلَةٌ } يعني تُجَرُّ على وجوهها في النار { نَّاصِبَةٌ } يعني من تعب وعذاب في النار ويقال (عاملة ناصبة) يعني تكلف الصعود على عتبة ملساء من النار فيرتقيها في عناء ومشقة فإذا ارتقى إلى ذروتها هبط منها إلى أسفلها. ويقال نزلت في رهبان النصارى عاملة في الدنيا ناصبة في العبادة أشقياء في الدنيا والآخرة ويقال (عاملة) في الدنيا بالمعاصي والذنوب (ناصبة) في الآخرة بالعذاب { تَصْلَىٰ نَاراً حَامِيَةً } يعني تدخل ناراً حارة قد أوقدت ثلاثة آلاف سنة حتى اسودّت فهي سوداء مظلمة قوله تعالى: { تُسْقَىٰ مِنْ عَيْنٍ ءانِيَةٍ } أي من عين حارة قد انتهى حرُّها { لَّيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ } وهذا في بضع دركها { إِلاَّ مِن ضَرِيعٍ } قرأ أبو عمرو وعاصم في رواية أبي بكر بضم التاء (تُصلى ناراً) وقرأ الباقون بالنصب فمن قرأ بالضم لمعنى المفعول الذي لم يسم فاعله ونصب ناراً على أنه مفعول ثان، ومن قرأ بالنصب جعل الفعل الذي يدخل النار وهو كناية عن الوجوه ولهذا ذكره بلفظ التأنيث ثم قال ليس لهم طعام إلا من ضريع والضريع نبات بين طريق مكة واليمن فإذا أكل الكفار منه بقي في حلقهم (ليس لهم طعام إلا من ضريع) يعني غير الضريع { لاَّ يُسْمِنُ } يعني لا يشبع الضريع { وَلاَ يُغْنِى مِن جُوعٍ } يعني ولا ينفع (من جوع) وهذا الجزاء للذي يتعب نفسه للعمل في الدنيا والمعاصي وما لا يحتاج إليه ثم وصف مكان الذي يعمل لله تعالى ويترك عمل المعصية ويؤدي ما أمر الله تعالى ويترك ما نهي عنه فقال { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاعِمَةٌ } يعني من الوجوه ما تكون ناعمة يعني في نعمة وكرامة وهي وجوه المؤمنين والتائبين والصالحين، ويقال وجوه يومئذ ناعمة يعني مشرقة مضيئة مثل القمر ليلة البدر { لِّسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ } يعني لثواب عملها راضية ويقال لثواب سعيه الذي عمل في الدنيا من الخير يعني رأى ثوابه في الجنة (راضية مرضية) رضي الله عنه بعمله في الدنيا ورضي العبد من الله تعالى في الآخرة من الثواب { فِى جَنَّةٍ عَالِيَةٍ } يعني ذلك الثواب في جنة عالية مرتفعة في الدرجات العلى، وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال "إن المتحابين لله تعالى في غرفة ينظر إليهم أهل الجنة كما ينظر أهل الأرض إلى كواكب السماء" ثم قال عز وجل { لاَّ تَسْمَعُ فِيهَا لَـٰغِيَةً } يعني لا يكون في الجنة لغو ولا باطل وليس فيها غل ولا غش، قرأ نافع لا تُسمع بضم تاء التأنيث لأن اللاغية مؤنثة وقرأ ابن كثير وأبو عمرو لا يسمع بضم الياء على معنى فعل ما لم يسم فاعله وإنما ذكر بلفظ التذكير لأنه انصرف إلى المعنى يعني إلى اللغو، وروي عن ابن كثير ونافع في إحدى الروايتين بنصب التاء يعني لا تسمع في الجنة أيها الداخل كلمة لغو لأن أهل الجنة لا يتكلمون إلا بالحكمة وحمد الله تعالى ثم قال { فِيهَا عَيْنٌ جَارِيَةٌ } يعني في الجنة عين جارية ماؤها أشد بياضاً من اللبن وأحلى من العسل فمن شرب منه شربة لا يظمأ بعدها أبداً ويذهب من قلبه الغل والغش والحسد والعداوة والبغضاء ثم قال { فِيهَا سُرُرٌ مَّرْفُوعَةٌ } يعني مرتفعة { وَأَكْوَابٌ مَّوْضُوعَةٌ } يعني الكيزان التي لا عرى لها مدورة الرأس { وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ } يعني فيها وسائد قد صف بعضها إلى بعض على الطنافس.