التفاسير

< >
عرض

ٱنْفِرُواْ خِفَافاً وَثِقَالاً وَجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ ذٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
٤١
لَوْ كَانَ عَرَضاً قَرِيباً وَسَفَراً قَاصِداً لاَّتَّبَعُوكَ وَلَـٰكِن بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ ٱلشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِٱللَّهِ لَوِ ٱسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ
٤٢
عَفَا ٱللَّهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكَ ٱلَّذِينَ صَدَقُواْ وَتَعْلَمَ ٱلْكَاذِبِينَ
٤٣
لاَ يَسْتَأْذِنُكَ ٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ أَن يُجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ بِٱلْمُتَّقِينَ
٤٤
إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَٱرْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ
٤٥
-التوبة

بحر العلوم

{ ٱنْفِرُواْ خِفَافًا وَثِقَالاً } قال الكلبي. خفافاً. يعني أهل العسرة من المال وقلة العيال، وثقالاً يعني أهل الميسرة في المال والصبية العيال. وقال الكلبي: ويقال فيها وجه آخر. انفروا خفافاً يقول نشاطاً في الجهاد. وثقالاً غير نشاط في الجهاد. وكذا قال مقاتل. ويقال انفروا خفافاً وثقالاً يعني شباناً وشيوخاً وروى حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس أن أبا طلحة الأنصاري قرأ هذه الآية انفروا خفافاً وثقالاً فقال ما أرى الله تعالى إلا سينفرنا شباناً وشيوخاً. قال جهزوني. فقلنا قد غزوت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر وعمر. وأنت اليوم شيخ كبير. قال جهزوني فجهزناه، فركب البحر فمات في غزاته. وروى سفيان عن منصور عن الحكم قال: مشاغيل وغير مشاغيل. وروى مسروق عن أبي الضحى قال: أول ما نزلت من سورة براءة هذه الآية { ٱنْفِرُواْ خِفَافًا وَثِقَالاً } ثم نزل أولها وآخرها. وروي عن ابن عباس أنه قال نسختها هذه الآية: { { وَمَا كَانَ ٱلْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً } [التوبة: 122] وقال بعضهم ليست بمنسوخة ولكنها في الحالة التي وقع فيها النفير وجب على جميع الناس الخروج إلى الجهاد وإذا لم يكن النفير عاماً يكون فرضاً عاماً. فإذا خرج بعض الناس سقط عن الباقين وبه نأخذ. ثم قال تعالى { وَجَـٰهِدُواْ بِأَمْوٰلِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ ذٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ } يعني الجهاد خير لكم من الجلوس { إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ } يعني تصدقون بثواب الله ويقال معناه إن كنتم تعلمون أن الخروج إلى الجهاد خير لكم من القعود فَانْفِرُوا خِفَافاً وَثِقَالاً. ثم نزل في شأن المنافقين الذين تخلفوا قوله تعالى: { لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا } يعني: غنيمة قريبة ويقال سهلاً قريباً { وَسَفَرًا قَاصِدًا } يعني هيناً يقيناً { لاَّتَّبَعُوكَ } يعني: لو علموا أنهم يصيبون مغنماً { لاَّتَّبَعُوكَ وَلَـٰكِن بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ ٱلشُّقَّةُ } والشقة: السفر يعني: ثقل عليهم السفر { وَسَيَحْلِفُونَ بِٱللَّهِ } أي الذين تخلفوا { لَوِ ٱسْتَطَعْنَا } يعني: لو قدرنا. ولو كانت لنا سعة في المال والزاد { لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ } إلى الغزو. وقال الله تعالى { يُهْلِكُونَ أَنفُسَهُمْ } يعني بحلفهم كذباً { وَٱللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَـٰذِبُونَ } بحلفهم وأن لهم سعة للخروج ولكنهم لم يريدوا الخروج. قوله تعالى: { عَفَا ٱللَّهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ } وذلك أن بعض المنافقين استأذنوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالتخلف عن الخروج إلى غزوة تبوك ولم يكن لهم عذر. فأذن لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال الله تعالى للنبي - صلى الله عليه وسلم - { عَفَا ٱللَّهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ } وقال عون بن عبد الله أخبره بالعفو قبل أن يخبره بالذنب ويقال إن النبي - عليه السلام - فعل فعلين قبل أن يؤذن له فعاتبه الله على ذلك وعفا عنه. أحدهما في فداء أسارى بدر، والثاني في إذنه للمنافقين بالتخلف فقال له عَفَا اللهُ عَنكَ ولم يقل يعافيك لم أذنت لهم في التخلف والقعود عن الجهاد.
قال الفقيه سمعت من يذكر عن أبي سعيد الفاريابي أنه قال معناه: عافاك الله يا سليم القلب لم أذنت لهم. فيقال إن الله تعالى إذا قال لعبده لم فعلت كذا وكذا؟ يكون ذلك أشد عليه من الموت كذا وكذا مرةً لهيبة قوله لم فعلت كذا؟ ولو أنه بدأ للنبي - صلى الله عليه وسلم - بقوله لم أذنت لكان يخاف على النبي - صلى الله عليه وسلم - أن ينشق قلبه من هيبة هذا الكلام إلا أن الله تعالى برحمته أخبره بالعفو حتى سكن قلبه ثم قال { لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ } بالقعود عن الجهاد { حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكَ ٱلَّذِينَ صَدَقُواْ } يعني معرفة الذين صدقوا بعذرهم وإيمانهم { وَتَعْلَمَ ٱلْكَـٰذِبِينَ } في عذرهم وإيمانهم ويقال معناه حتى يتبين لك المؤمن المخلص من المنافق. ثم بين له علامة المؤمنين وعلامة المنافقين فقال الله تعالى { لاَ يَسْتَأْذِنُكَ } يعني: بغير عذر { ٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلأخِرِ } في السر والعلانية { أَن يُجَـٰهِدُواْ بِأَمْوٰلِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ بِٱلْمُتَّقِينَ } يعني بالمؤمنين المخلصين. ثم ذكر علامة المنافقين فقال { إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ } يعني: في القعود عن الجهاد { ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلأخِرِ } يعني لا يصدقون في السر { وَٱرْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ } يعني: شكت قلوبهم ونافقت قلوبهم (ولا يتوبون ولا يرجعون عن ذلك) { فَهُمْ فِى رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ } يعني في شكهم ونفاقهم يتحيرون. قوله تعالى: { وَلَوْ أَرَادُواْ... }