التفاسير

< >
عرض

وَٱلْلَّيْلِ إِذَا يَغْشَىٰ
١
وَٱلنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّىٰ
٢
وَمَا خَلَقَ ٱلذَّكَرَ وَٱلأُنثَىٰ
٣
إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّىٰ
٤
فَأَمَّا مَنْ أَعْطَىٰ وَٱتَّقَىٰ
٥
وَصَدَّقَ بِٱلْحُسْنَىٰ
٦
فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَىٰ
٧
وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَٱسْتَغْنَىٰ
٨
وَكَذَّبَ بِٱلْحُسْنَىٰ
٩
فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَىٰ
١٠
وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّىٰ
١١
-الليل

بحر العلوم

قوله تعالى: { وَٱلَّيْلِ إِذَا يَغْشَىٰ } أقسم الله تعالى بالليل إذا غشيت ظلمته ضوء النهار ويقال: أقسم بخالق الليل إذا يغشى يعني يغشى الليل ضوء النهار { وَٱلنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّىٰ } يعني أقسم بالنهار إذا استنار وتجلى عن الظلمة { وَمَا خَلَقَ ٱلذَّكَرَ وَٱلأُنثَىٰ } يعني والذي خلق الذكر والأنثى يعني آدم وحواء وقال القتبي: ما ومن أصلهما واحد وجعل من للناس وما لغير الناس ويقال من مَرّ بك من الناس وما مَرّ بك من الإبل وقال أبو عبيد: وما خلق أي وما خلق وكذلك قوله { { وَٱلسَّمَآءِ وَمَا بَنَـٰهَا } [الشمس:5] { { وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا } [الشمس:7] و "ما" في هذه المواضع بمعنى "من".
وقال أبو عبيد: وما بمعنى من وبمعنى الذي وروي عن ابن مسعود أنه كان يقرأ والنهار إذا تجلى والذكر والأنثى وروى الأعمش عن إبراهيم عن علقمة قال قدمنا الشام فأتانا أبو الدرداء فقال أفيكم أحَد يقرأ على قراءة عبد الله بن مسعود فأشاروا إلي فقلت نعم أنا فقال كيف سمعت عبد الله يقرأ هذه الآية قلت سمعته يقرأ (والذكر والأنثى): قال: أنا هكذا والله سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرأها وهؤلاء يريدونني على أن أقرأها كلا أنا معهم ثم قال عز وجل { إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّىٰ } فهذا موضع جواب القسم - أقسم الله تعالى بخالق هذه الأشياء إن سعيكم لشتى يعني أديانكم ومذاهبكم مختلفة يعني عملكم مختلف عامل للجنة وعامل للنار وقال أبو الليثرحمه الله حدثنا أبو جعفر حدثنا أبو بكر أحمد بن محمد بن سهل القاضي قال أخبرنا حدثنا أحمد ابن جرير قال حدثنا أبو عبد الرحمن راشد بن إسماعيل عن منصور بن مزاحم عن يونس بن إسحاق عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن أبا بكر رضي الله عنه اشترى بلالاً من أمية بن خلف وأبي ابن خلف ببروة وعشرة أواق من فضة فأعتقه لله تعالى فأنزل الله تعالى { وَٱلَّيْلِ إِذَا يَغْشَىٰ وَٱلنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّىٰ وَمَا خَلَقَ ٱلذَّكَرَ وَٱلأُنثَىٰ إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّىٰ } يعني سعي أبي بكر وأمية بن خلف { فَأَمَّا مَنْ أَعْطَىٰ وَٱتَّقَىٰ وَصَدَّقَ بِٱلْحُسْنَىٰ } يعني بلا إله إلا الله يعني أبا بكر { فَسَنُيَسّرُهُ لِلْيُسْرَىٰ } يعني الجنة { وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَٱسْتَغْنَىٰ وَكَذَّبَ بِٱلْحُسْنَىٰ } يعني بلا إله إلا الله { فَسَنُيَسّرُهُ لِلْعُسْرَىٰ } يعني أمية وأبي ابني خلف إذا ماتا. ويقال لنزول هذه الآية سبب آخر.
كان رجل من الكفار له نخلة في دار، وشعبها في دار رجل آخر من المسلمين وكان إذا سقطت ثمرة في دار المسلم نادى الكافر: حرام حرام وكان المسلم يأخذ الثمرة فيرمي بها في دار الكافر لئلا يأكل ذلك صبيانه فسقطت يوماً ثمرة فأخذها ابن صغير للمسلم فجعلها في فيه فدخل الكافر فأخرج الثمرة من فيه وأبكى الصبي فشكى المسلم إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فدعا المشرك فقال أتبيع نخلتك ليعطيك الله أفضل منها في الجنة فقال لا أبيع العاجل بالآجل فسمع رجل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - فاشترى النخلة من الكافر وتصدق بها على المسلم فنزلت (فأما من أعطى واتقى) يعني أعطى من ماله حق الله تعالى وأتقى الشرك وسخط الله تعالى وصدق بالحسنى يعني بثواب الله في الجنة (فسنيسره) يعني سنعينه ونوفقه (لليسرى) يعني لعمل أهل الجنة { وَأَمَّا مَن بَخِلَ }، بالصدقة { وَٱسْتَغْنَىٰ } يعني رأى نفسه مستغنياً عن ثواب الله وعن جنته { وَكَذَّبَ بِٱلْحُسْنَىٰ } يعني بالثواب وهو الجنة { فَسَنُيَسّرُهُ لِلْعُسْرَىٰ } يعني نخذله ولا نوفقه للطاعة فسنيسر عليه طريق المعصية { وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَٱسْتَغْنَىٰ } { وَمَا يُغْنِى عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّىٰ } يعني ما ينفعه ماله إذا مات وتركه في الدنيا وهو يرد إلى النار.