التفاسير

< >
عرض

وَٱلضُّحَىٰ
١
وَٱللَّيْلِ إِذَا سَجَىٰ
٢
مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَىٰ
٣
وَلَلآخِرَةُ خَيْرٌ لَّكَ مِنَ ٱلأُولَىٰ
٤
وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَىٰ
٥
أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَىٰ
٦
وَوَجَدَكَ ضَآلاًّ فَهَدَىٰ
٧
وَوَجَدَكَ عَآئِلاً فَأَغْنَىٰ
٨
-الضحى

بحر العلوم

قوله تبارك وتعالى: { وَٱلضُّحَىٰ } يعني: النهار كله ويقال الضحى ساعة من ساعات النهار ويقال الضحى حر الشمس { وَٱلَّيْلِ إِذَا سَجَىٰ } يعني: اسودّ وأظلم ويقال إذا سكن بالناس ويقال (والضحى والليل إذا سجى) يعني: عباده الذين يعبدونه في وقت الضحى وعباده الذين يعبدونه بالليل إذا أظلم ويقال (والضحى) نور الجنة إذا تنور (والليل إذا سجى) يعني: ظلمة النار إذا أظلم ويقال (والضحى) يعني النور الذي في قلوب العارفين كهيئة النهار (والليل إذا سجى) يعني السواد الذي في قلوب الكافرين كهيئة الليل، وأقسم الله تعالى بهذه الأشياء { مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَىٰ } يعني: ما تركك ربك يا محمد - صلى الله عليه وسلم - منذ أوحى إليك (وما قلى) يعني: ما أبغضك ربك وذلك أن مشركي قريش أرسلوا إلى يهود المدينة وسألوهم عن أمر محمد - صلى الله عليه وسلم - فقالت لهم اليهود فاسألوه عن أصحاب الكهف وعن قصة ذي القرنين وعن الروح فإن أخبركم بقصة أهل الكهف وعن قصة ذي القرنين ولم يخبركم عن أمر الروح فاعلموا أنه صادق فجاؤوه، وسألوه فقال لهم "ارجعوا غداً حتى أخبركم" ونسي أن يقول إن شاء الله فانقطع عنه جبريل خمسة عشرة يوماً، في رواية الكلبي وفي رواية الضحاك أربعين يوماً فقال المشركون قد ودّعه ربه وأبغضه فنزل فيهم ذلك وروى أسباط عن السدي قال فأبطأ جبريل عليه السلام على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أربعين ليلة حتى شكى ذلك إلى خديجة فقالت خديجة لعل ربك قد قلاك أو نسيك فأتاه جبريل عليه السلام بهذه الآية (ما ودعك ربك وما قلى) { وَلَلآخِرَةُ خَيْرٌ لَّكَ مِنَ ٱلأُولَىٰ } يعني: ما أعطاك الله في الآخرة خير لك مما أعطاك في الدنيا ويقال معناه عز الآخرة خير من عز الدنيا لأن عز الدنيا يفنى وعز الآخرة يبقى. قوله تعالى: { وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَىٰ } يعني يعطيك ثواب طاعتك حتى ترضى و (سوف) من الله تعالى واجب ويقال (ولسوف يعطيك) الحوض والشفاعة (حتى ترضى) ثم ذكر له ما أنعم عليه في الدنيا وفي الآخرة فقال عز وجل: { أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَاوَىٰ } يعني: كنت يتيماً فضمك إلى عمك أبي طالب فكفاك المؤنة حين كنت يتيماً (ما ودعك ربك) فكيف ودعك بعد ما أوحى إليك ثم قال عز وجل: { وَوَجَدَكَ ضَالاًّ فَهَدَىٰ } يعني: وجدك جاهلاً بالنبوة وبالحكمة وبالكتاب وقراءته والدعوة إلى الإيمان فهداك إلى هذه الأشياء وكقوله { مَا كُنتَ تَدْرِي مَا ٱلْكِتَابُ وَلاَ ٱلإِيمَانُ } ويقال ووجدكَ ضالاً يعني: من بين قوم ضلال فهدى يعني: حفظك من أمرهم وعن أخلاقهم ويقال ووجدك بين قوم ضلال فهداهم بك ثم قال عز وجل: { وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَىٰ } يعني: وجدك فقيراً بلا مال فأغناك بمال خديجة ويقال وجدك فقيراً عن القرآن والعلم فأغناك يعني أغنى قلبك وأرضاك بما أعطاك.