التفاسير

< >
عرض

ٱقْرَأْ بِٱسْمِ رَبِّكَ ٱلَّذِي خَلَقَ
١
خَلَقَ ٱلإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ
٢
ٱقْرَأْ وَرَبُّكَ ٱلأَكْرَمُ
٣
ٱلَّذِى عَلَّمَ بِٱلْقَلَمِ
٤
عَلَّمَ ٱلإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ
٥
-العلق

بحر العلوم

قوله تبارك وتعالى { ٱقْرَأْ بِٱسْمِ رَبّكَ ٱلَّذِى خَلَقَ } يقول اقرأ القرآن بأمر ربك، وهذه أول سورة نزلت من القرآن وذلك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما بلغ أربعين سنة كان يسمع صوتاً يناديه يا محمد ولا يرى شخصه وكان يخشى على نفسه الجنون حتى رأى جبريل - عليه السلام - يوماً في صورته فغشي عليه فحمل إلى بيت خديجة فقالوا لها تزوجت مجنوناً فلما أفاق أخبر بذلك خديجة فجاءت إلى ورقة بن نوفل وكان يقرأ الإنجيل ويفسره ثم جاءت إلى عداس وكان راهباً فقال لها إن له نبأ وشأناً يظهر أمره فخرج النبي - صلى الله عليه وسلم - يوماً إلى الوادي فجاء جبريل - عليه السلام - بهذه السورة وأمره بأن يتوضأ ويصلي ركعتين فلما رجع أعلم بذلك خديجة وعلمها الصلاة وذلك قوله { قُوۤاْ أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً } [التحريم:6]، يعني علموهم وأدبوهم، وروى معمر عن الزهري أنه قال أخبرني عروة عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت أول ما بدىء به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الوحي الرؤيا الصالحة الصادقة وكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح ثم حُبِّب الخلاءُ إليه يعني العزلة وكان يأتي حراء ويمكث هناك ثم يرجع إلى خديجة فجاءه الملك وهو على حراء فقال له اقرأ فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما أنا بقارىء فأخذني فغطني ثانية حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال اقرأ فقلت ما أنا بقارىء فأخذني فغطني الثالثة ثم أرسلني فقال اقرأ باسم ربك الذي خلق { خَلَقَ ٱلإِنسَـٰنَ مِنْ عَلَقٍ ٱقْرَأْ وَرَبُّكَ ٱلأَكْرَمُ ٱلَّذِىعَلَّمَ بالقلم علم ٱلإِنسَـٰنَ مَا لَمْ يَعْلَمْ } فرجع ترجف بوادره وقد أخذته الرّعدة حتى دخل على خديجة فقال زملوني زملوني، فزملوه حتى ذهب عنه الروع فذلك قوله (اقرأ باسم ربك) يعني اقرأ بعون الله ووحيه إليك، ويقال معناه (اقرأ باسم ربك) كقوله { وَٱذْكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ } [الكهف: 24] يعني اذكر ربك الذي خلق الخلائق. ثم قال عز وجل { خَلَقَ ٱلإِنسَـٰنَ مِنْ عَلَقٍ } يعني ابن آدم من دم عبيط وقال في آية أخرى { { أَلَمْ نَخْلُقكُّم مِّن مَّآءٍ مَّهِينٍ } [المرسلات: 20] وقال في آية أخرى { { خَلَقْنَـٰكُمْ مِّن تُرَابٍ } [الحج: 5] وهذه الآيات يصدّق بعضها بعضاً لأن أول الخلق من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة كما بين الجملة في موضع آخر ثم قال عز وجل { ٱقْرَأْ وَرَبُّكَ ٱلأَكْرَمُ } يعني اقرأ يا محمد - صلى الله عليه وسلم - وربك يعينك ويفهمك وإن كنت غير قارىء (الأكرم) يعني ربك المتجاوز عن جهل العباد ويقال اقرأ وقد تم الكلام ثم استأنف فقال (وربك الأكرم) يعني الكريم ويقال الأكرم يعني المكرم الذي يكرم من يشاء بالإسلام ثم قال { ٱلَّذِى عَلَّمَ بِٱلْقَلَمِ } علم الكتابة والخط بالقلم { عَلَّمَ ٱلإِنسَـٰنَ مَا لَمْ يَعْلَمْ } يعني علم آدم - عليه السلام - أسماء كل شيء يعني ألهمه ويقال (علم الإنسان) يعني: محمداً - صلى الله عليه وسلم - (ما لم يعلم) يعني القرآن كقوله { { مَا كُنتَ تَدْرِى مَا ٱلْكِتَـٰبُ وَلاَ ٱلإِيمَـٰنُ } [الشورى: 52] ويقال علم الإنسان ما لم يعلم يعني علم بني آدم ما لم يعلموا كقوله { وَٱللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَـٰتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئاً } [النحل: 78].