التفاسير

< >
عرض

إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ ٱلْقَدْرِ
١
وَمَآ أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ ٱلْقَدْرِ
٢
لَيْلَةُ ٱلْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ
٣
تَنَزَّلُ ٱلْمَلاَئِكَةُ وَٱلرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ
٤
سَلاَمٌ هِيَ حَتَّىٰ مَطْلَعِ ٱلْفَجْرِ
٥
-القدر

بحر العلوم

قوله تعالى: { إِنَّا أَنزَلْنَـٰهُ فِى لَيْلَةِ ٱلْقَدْرِ } يعني: أنزلنا القرآن الكريم جملة واحدة إلى سماء الدنيا من اللوح المحفوظ في ليلة القدر يعني: في ليلة القضاء وإنما سميت ليلة القدر: لأن الله تعالى يقدر في تلك الليلة ما يكون من السنة القابلة من أمر الموت والأجل والرزق وغيره ويسلمه إلى مدبرات الأمور وهم أربعة من الملائكة إسرافيل وجبريل وميكائيل وملك الموت - عليهم السلام - وفي آية أخرى { فِى لَيْلَةٍ مُّبَـٰرَكَةٍ } [الدخان: 3] وإنما سميت ليلة مباركة يعني ليلة القدر لأنه ينزل فيها الخير والبركة والمغفرة ثم قال عز وجل { وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ ٱلْقَدْرِ } تعظيماً لها فقال { لَيْلَةُ ٱلْقَدْرِ خَيْرٌ مّنْ أَلْفِ شَهْرٍ } يعني العمل في ليلة القدر خير من العمل في ألف شهر ليس فيها ليلة القدر وذلك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -كان جالساً بين أصحابه يحدث بأن رجلاً كان من بني إسرائيل لبس السلاح ألف شهر وصام ولم يضع السلاح حتى مات فعظم ذلك على أصحابه فنزلت (ليلة القدر خير من ألف شهر) يعني العمل فيها وثوابه أفضل من لبس السلاح وصيام ألف شهر ليس فيها ليلة القدر وروي في خبر آخر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال أرى أعمال الناس فكأنه تقاصر أعمار أمته إن لم يبلغوا من العمل مثل الذي بلغ غيرهم في طول العمر فأعطاه الله تعالى في الجنة ليلة القدر خيراً من ألف شهر فقيل يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أي ليلة هي قال: "التمسوها في العشر الأواخر من رمضان" . ثم قال عز وجل { تَنَزَّلُ ٱلْمَلَـٰئِكَةُ وَٱلرُّوحُ فِيهَا } يعني تتنزل الملائكة من كل سماء ومن سدرة المنتهى وهو مسكن جبريل على وسطها - عليه السلام - فينزلون إلى الأرض ويدعون الخلق ويؤمنون بدعائهم إلى وقت طلوع الفجر وذلك قوله (تنزل الملائكة والروح فيها) يعني جبريل معهم وذكر في الخبر أن جبريل - عليه السلام - وقف على سطح الكعبة ونشر جناحيه أحدهما يبلغ المشرق والآخر يبلغ المغرب وقال بعضهم "الروح" خلق يشبه الملائكة وجهه يشبه وجه بني آدم - عليه السلام - وقال بعضهم هو ما قال الله تعالى { قُلِ ٱلرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّى } [الإسراء: 85] وقال مجاهد: ما نزل ملك إلا ومعه روح ولهم أيد وأرجل وهم موكلون على الملائكة كما أن الملائكة موكلون على بني آدم ثم قال عز وجل { بِإِذْنِ رَبّهِمْ } يعني: ينزلون بأمر ربهم { مّن كُلّ أَمْرٍ سَلَـٰمٌ } يعني: تلك الليلة من كل أمر سلام يعني من كل آفة سلامة يعني: في هذه الليلة لأمة محمد - صلى الله عليه وسلم - ويقال: سلام يعني لا يستطيع الشيطان أن يعمل فيها شراً. وقال القتبي: إن (من) توضع موضع (الباء) يعني بكل أمر سلام أي خير { هِىَ حَتَّىٰ مَطْلَعِ ٱلْفَجْرِ } وقال مجاهد: يعني كل أمر سلام وسلام من أن يحدث فيها آذًى أو يستطيع الشيطان أن يعمل فيها ويقال معناه: تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر وقد تم الكلام يعني: ينزلون فيها من كل أمر من الرخصة وكل أمر قدره الله تعالى في تلك الليلة إلى قابل
ثم استأنف فقال: (سلام هي) يعني سلام وبركة وخير كلها (حتى مطلع الفجر) وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قرأ من كل أمر سلام يعني الملائكة يسلمون على كل امرىء، وقرأ الكسائي حتى مطلع الفجر بكسر اللام والباقون بنصب اللام فمن قرأ بالكسر جعله اسماً لوقت الطلوع، ومن قرأ بالنصب جعله مصدراً يعني يطلع طلوعاً والله أعلم بالصواب.