التفاسير

< >
عرض

وَٱلْعَادِيَاتِ ضَبْحاً
١
فَٱلمُورِيَاتِ قَدْحاً
٢
فَٱلْمُغِيرَاتِ صُبْحاً
٣
فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً
٤
فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً
٥
إِنَّ ٱلإِنسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ
٦
وَإِنَّهُ عَلَىٰ ذَلِكَ لَشَهِيدٌ
٧
وَإِنَّهُ لِحُبِّ ٱلْخَيْرِ لَشَدِيدٌ
٨
أَفَلاَ يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي ٱلْقُبُورِ
٩
وَحُصِّلَ مَا فِي ٱلصُّدُورِ
١٠
إِنَّ رَبَّهُم بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّخَبِيرٌ
١١
-العاديات

النكت والعيون

قوله تعالى: { والعادياتِ ضَبْحاً }في العاديات قولان:
أحدهما: أنها الخيل في الجهاد، قاله ابن عباس وأنس والحسن، ومنه قول الشاعر:

وطعنةٍ ذاتِ رشاشٍ واهيهْ طعنْتُها عند صدور العاديْه

يعني الخيل.
الثاني: أنها الإبل في الحج، قاله عليٌّ رضي الله عنه وابن مسعود ومنه قول صفية بنت عبد المطلب:

فلا والعاديات غَداة جَمْعٍ بأيديها إذا صدع الغبار

يعني الإبل، وسميت العاديات لاشتقاقها من العدو، وهو تباعد الرجل في سرعة المشي؛ وفي قوله " ضبحاً" وجهان:
أحدهما: أن الضبح حمحمة الخيل عند العدو، قاله من زعم أن العاديات الخيل.
الثاني: أنه شدة النّفس عند سرعة السير، قاله من زعم أنها الإبل، وقيل إنه لا يضبح بالحمحمة في عدوه إلا الفرس والكلب، وأما الإبل فضبحها بالنفَس؛ وقال ابن عباس: ضبحها: قول سائقها أج أج؛ وهذا قَسَمٌ،
{ فالموريات قَدْحاً } فيه ستة أقاويل:
أحدها: أنها الخيل توري النار بحوافرها إذا جرت من شدة الوقع، قاله عطاء.
الثاني: أنها نيران الحجيج بمزدلفة، قاله محمد بن كعب.
الثالث: أنها نيران المجاهدين إذا اشتعلت فكثرت نيرانها إرهاباً، قاله ابن عباس.
الرابع: أنها تهيج الحرب بينهم وبين عدوهم، قاله قتادة.
الخامس: أنه مكر الرجال، قاله مجاهد؛ يعني في الحروب.
السادس: أنها الألسنة إذا ظهرت بها الحجج وأقيمت بها الدلائل وأوضح بها الحق وفضح بها الباطل، قاله عكرمة، وهو قَسَمٌ ثانٍ.
{ فالمغيرات صُبْحاً } فيها قولان:
أحدهما: أنها الخيل تغير على العدو صبحاً، أي علانية، تشبيهاً بظهور الصبح، قاله ابن عباس.
الثاني: أنها الإبل حين تعدو صبحاً من مزدلفة إلى منى، قاله عليّ رضي الله عنه.
{ فأثَرنَ به نَقْعاً } فيه ثلاثة أقاويل:
أحدها: فأثرن به غباراً، والنقع الغبار، قاله قتادة، وقال عبد الله بن رواحة:

عدمت بُنَيّتي إن لم تَروْها تثير النقْعَ من كنفي كَداءِ

الثاني: النقع ما بين مزدلفة إلى منى، قاله محمد بن كعب.
الثالث: أنه بطن الوادي، فلعله يرجع إلى الغبار المثار من هذا الموضع.
{ فَوَسَطْنَ به جَمْعاً } فيه قولان:
أحدهما: جمع العدو حتى يلتقي الزخف، قاله ابن عباس والحسن.
الثاني: أنها مزدلفة تسمى جمعاً لاجتماع الحاج لها وإثارة النقع في الدفع إلى منى، قاله مكحول.
{ إنّ الإنسانَ لِربِّه لَكَنُودٌ } فيه سبعة أقاويل:
أحدها: لكفور قاله قتادة، والضحاك، وابن جبير، ومنه قول الأعشى:

أَحْدِثْ لها تحدث لوصْلك إنها كُنُدٌ لوصْلِ الزائرِ المُعْتادِ

وقيل: إن الكنود هو الذي يكفر اليسير ولا يشكر الكثير.
الثاني: أنه اللوام لربه، يذكر المصائب وينسى النعم، قاله الحسن، وهو قريب من المعنى الأول.
الثالث: أن الكنود الجاحد للحق، وقيل إنما سميت كندة لأنها جحدت أباها، وقال إبراهيم بن زهير الشاعر:

دع البخلاءَ إن شمخوا وصَدُّوا وذكْرى بُخْلِ غانيةٍ كَنوُدِ

الرابع: أن الكنود العاصي بلسان كندة وحضرموت، وذكره يحيى بن سلام.
الخامس: أنه البخيل بلسان مالك بن كنانة، وقال الكلبي: الكنود بلسان كندة وحضرموت: العاصي، وبلسان مضر وربيعة: الكفور، وبلسان مالك بن كنانة: البخيل.
السادس: أنه ينفق نعم الله في معاصي الله.
السابع: ما رواه القاسم عن أبي أمامه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" الكنود الذي يضرب عبده ويأكل وحده ويمنع رفده" وقال الضحاك: نزلت في الوليد بن المغيرة، وعلى هذا وقع القسم بجميع ماتقدم من السورة.
{ وإنَّه على ذلك لَشهيدٌ } فيه قولان:
أحدهما: أن الله تعالى على كفر الإنسان لشهيد، قاله ابن جريج.
الثاني: أن الإنسان شاهد على نفسه، لأنه كنود، قاله ابن عباس.
{ وإنه لِحُبِّ الخيرِ لشديدٌ } يعني الإنسان، وفي الخير ها هنا وجهان:
أحدهما: المال، قاله ابن عباس، ومجاهد وقتادة.
الثاني: الدنيا، قاله ابن زيد.
ويحتمل ثالثاً: أن الخير ها هنا الاختيار، ويكون معناه: وإنه لحب اختياره لنفسه لشديد.
وفي قوله { لشديد } وجهان:
أحدهما: لشديد الحب للخير، وشدة الحب قوته وتزايده.
الثاني: لشحيح بالمال يمنع حق الله منه، قاله الحسن، من قولهم فلان شديد أي شحيح.
{ أفَلاَ يَعْلَمُ إذا بُعْثِرَ ما في القُبورِ } فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: من فيها من الأموات.
الثاني: معناه مات.
الثالث: بحث، قاله الضحاك، وهي في قراءة ابن مسعود: بُحْثِرَ ما في القبور.
{ وحُصِّلَ ما في الصُّدُورِ } فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: ميز ما فيها، قاله الكلبي.
الثاني: استخرج ما فيها.
الثالث: كشف ما فيها.
{ إنَّ ربَّهم بهم يومئذٍ لَخبيرٌ } أي عالم، ويحتمل وجهين:
أحدهما: لخبير بما في نفوسهم.
الثاني: لخبير، بما تؤول إليه أمورهم.