قوله عز وجل: { قَالَ يَا قَوْمِ أَرءَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِن رَّبِّي } فيه وجهان:
أحدهما: يعني على ثقة من ربي، قاله أبو عمران الجوني.
الثاني: على حجة من ربي، قاله عليّ بن عيسى.
{ وَآتَانِي رَحْمَة مِنْ عِنْدِهِ } فيها وجهان:
أحدهما: الإيمان.
والثاني: النبوة، قاله ابن عباس.
{ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ } يعني البينة في قوله { إنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةِ مِن رَبِّي }
وإنما قال { فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ } وهم الذين عموا عنها، لأنها خفيت عليهم بترك
النظر فأعماهم الله عنها.
وقرأ حمزة والكسائي وحفص { فعميت عليكم } بضم العين وتشديد الميم،
وفي قراءة أُبي { فعمّاها } وهي موافقة لقراءة من قرأ بالضم على ما لم يسم
فاعله.
وفي الذي عماها على هاتين القراءتين وجهان:
أحدهما: أن الله تعالى عماها عليهم.
الثاني: بوسوسة الشيطان. وما زينه لهم من الباطل حتى انصرفوا عن الحق.
وإنما قصد نبي الله نوح بهذا القول لقومه أن يرد عيهم قولهم { وَمَا نَرَى لَكُمْ
عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ } ليظهر فضله عليهم بأنه على بينة من ربه وآتاه رحمة من عنده وهم قد
سلبوا ذلك، فأي فضل أعظم منه.
ثم قال تعالى: { أَنُلْزِمْكَمُوهَا وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُونَ } فيها وجهان:
أنلزمكم الرحمة، قاله مقاتل.
الثاني: أنلزمكم البينة وأنتم لها كارهون، وقبولكم لها لا يصح مع الكراهة عليها.
قال قتادة والله لو استطاع نبي الله نوح عليه السلام لألزمها قومه ولكنه لم يملك ذلك.