قوله عز وجل: { قال بل سولت لكم أنفسكم أمراً } فيه وجهان:
أحدهما: بل سهلت.
الثاني: بل زينت لكم أنفسكم أمراً في قولكم إن ابني سرق وهو لا يسرق،
وإنما ذاك لأمر يريده الله تعالى.
{ فصبر جميل عسى الله أن يأتيني بهم جميعاً } يعني يوسف وأخيه المأخوذ
في السرقة وأخيه المتخلف معه فهم ثلاثة.
{ إنه هو العليم الحكيم } يعني العليم بأمركم، الحكيم في قضائه بما ذكرتم.
قوله عز وجل: { وتولَّى عنهم وقال يا أسفَى على يوسف } فيه وجهان:
أحدهما: معناه واجزعاه قاله مجاهد، ومنه قول كثير:
فيا أسفا للقلب كيف انصرافُه وللنفس لما سليت فتسلّتِ
الثاني: معناه يا جزعاه، قاله ابن عباس. قال حسان بن ثابت يرثي رسول
الله صلى الله عليه وسلم:
فيا أسفا ما وارت الأرض واستوت عليه وما تحت السلام المنضد
وفي هذا القول وجهان:
أحدهما: أنه أراد به الشكوى إلى الله تعالى ولم يرد به الشكوى منه رغباً إلى
الله تعالى في كشف بلائه.
الثاني: أنه أراد به الدعاء، وفيه قولان:
أحدهما: مضمر وتقديره يا رب ارحم أسفي على يوسف.
{ وابيضت عَيْنَاه من الحزن } فيه قولان:
أحدهما: أنه ضعف بصره لبياض حصل فيه من كثرة بكائه.
الثاني: أنه ذهب بصره، قاله مجاهد.
{ فهو كظيم } فيه أربعة أوجه:
أحدها: أنه الكمد، قاله الضحاك.
الثاني: أنه الذي لا يتكلم، قاله ابن زيد.
الثالث: أنه المقهور، قاله ابن عباس، قال الشاعر:
فإن أك كاظماً لمصاب شاسٍ فإني اليوم منطلق لساني
والرابع: أنه المخفي لحزنه، قاله مجاهد وقتادة، مأخوذ من كظم الغيظ وهو
إخفاؤه، قال الشاعر:
فحضضت قومي واحتسبت قتالهم والقوم من خوفِ المنايا كظم
قوله عز وجل: { قالوا تالله تفتأ تذكر يوسف } قال ابن عباس والحسن وقتادة
معناه لا تزال تذكر يوسف، قال أوس بن حجر:
فما فتئت خيل تثوبُ وتدّعي ويلحق منها لاحق وتقطّعُ
أي فما زالت. وقال مجاهد: تفتأ بمعنى تفتر.
{ حتى تكون حرضاً } فيه ثلاثة تأويلات.
أحدها: يعني هرماً، قاله الحسن.
والثاني: دنفاً من المرض، وهو ما دون الموت، قاله ابن عباس ومجاهد.
والثالث: أنه الفاسد العقل، قاله محمد بن إسحاق. وأصل الحرض فساد
الجسم والعقل من مرض أو عشق، قال العرجي.
إني امرؤلجّ بي حُبٌّ فأحرضني حتى بَليتُ وحتى شفّني السقم
{ أو تكون من الهالكين }يعني ميتاً من الميتين، قاله الجميع.
فإن قيل: فكيف صبر يوسف عن أبيه بعد أن صار ملكاً متمكناً بمصر، وأبوه
بحرّان من أرض الجزيرة؟ وهلاّ عجّل استدعاءه ولم يتعلل بشيء بعد شيء؟
قيل يحتمل أربعة أوجه:
أحدها: أن يكون فعل ذلك عن أمر الله تعالى، ابتلاء له لمصلحة علمها فيه
لأنه نبيّ مأمور.
الثاني: أنه بلي بالسجن، فأحب بعد فراقه أن يبلو نفسه بالصبر.
الثالث: أن في مفاجأة السرور خطراً وأحب أن يروض نفسه بالتدريج.
الرابع: لئلا يتصور الملك الأكبر فاقة أهله بتعجيل استدعائهم حين ملك.
قوله عز وجل: { قال إنما أشكو بَثِّي وحزني إلى الله }في بثي وجهان:
أحدهما: همّي، قاله ابن عباس.
الثاني: حاجتي، حكاه ابن جرير. والبث تفريق الهم بإظهار ما في
النفس. وإنما شكا ما في نفسه فجعله بثاً وهو مبثوث.
{ وأعلم من الله ما لا تعلمون }فيه تأويلان:
أحدهما: أعلم أن رؤيا يوسف صادقة، وأني ساجد له، قاله ابن عباس.
والثاني: أنه أحست نفسه حين أخبروه فدعا الملك وقال: لعله يوسف، وقال لا
يكون في الأرض صدّيق إلا نبي، قاله السدّي.
وسبب قول يعقوب{ إنما أشكو بثي وحزني إلى الله }ما حكي أن رجلاً دخل
عليه فقال: ما بلغ بك ما أرى؟ قال: طول الزمان وكثرة الأحزان. فأوحى الله إليه: يا
يعقوب تشكوني؟ فقال: خطيئة أخطأتها فاغفرها لي. وكان بعد ذلك يقول{ إنما
أشكو بثي وحزني إلى الله }.