التفاسير

< >
عرض

وَمَثَلُ ٱلَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوٰلَهُمُ ٱبْتِغَآءَ مَرْضَاتِ ٱللَّهِ وَتَثْبِيتاً مِّنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِن لَّمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ
٢٦٥
-البقرة

النكت والعيون

قوله تعالى: { وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَلَهُمُ ابْتِغَآءَ مَرْضَاتِ اللهِ } يحتمل وجهين:
أحدهما: في نُصرة أهل دينه من المجاهدين.
والثاني: في معونة أهل طاعته من المسلمين.
{ وَتَثْبِيتاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ } فيه أربعة تأويلات:
أحدها: تثبيتاً من أنفسهم بقوة اليقين، والنصرة في الدين، وهو معنى قول الشعبي، وابن زيد، والسدي.
والثاني: يتثبتون أين يضعون صدقاتهم، قاله الحسن، ومجاهد.
والثالث: يعني احتساباً لأنفسهم عند الله، قاله ابن عباس، وقتادة.
والرابع: توطيناً لأنفسهم على الثبوت على طاعة الله، قاله بعض المتكلمين.
{ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ } في الربوة قولان:
أحدهما: هي الموضع المرتفع من الأرض، وقيل المُسْتَوِي في ارتفاعه.
والثاني: كل ما ارتفع عن مسيل الماء، قاله اليزيدي.
{ أَصَابَهَا وَابِلٌ } في الوابل وجهان:
أحدهما: المطر الشديد.
والثاني: الكثير، قال عدي بن زيد:

قليل لها مني وإن سخطت بأن أقول سقيت سقيت الوابل الغدقا

{ فآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ } وإنما خص الربوة لأن نبتها أحسن، وريعها أكثر، قال الأعشى:

ما روضة من رياض الحزن معيشة خضراء جاد عليها مسبل هطل

والأُكُل، بالضم: الطعام لأن من شأنه أن يؤكل. ومعنى ضعفين: مثلين، لأن ضعف الشيء مثله زائداً عليه، وضعفاه: مثلاه زائداً عليه، وقيل ضعف الشيء مثلاه، والأول قول الجمهور.
{ فَإِن لَّمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ } الطل: الندى، وهو دون المطر، والعرب تقول: الطل أحد المطرين، وزرع الطل أضعف من زرع المطر وأقل ريعاً، وفيه ـ وإن قل ـ تماسكٌ ونَفْعٌ، فأراد بهذا ضرب المثل أن كثير البِر مثل زرع المطر كثير النفع، وقليل البِر مثل زرع الطل قليل النفع، ولا تدع قليل البر إذا لم تفعل كثيره، كما لا تدع زرع الطل إذا لم تقدر على زرع المطر.