قوله عز وجل: { لاَ يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا } يعني طاقتها، وفيه
وجهان:
أحدهما: وعدٌ من الله لرسوله وللمؤمنين بالتفضل على عباده ألاَّ يكلف نفساً
إلا وسعها.
والثاني: أنه إخبار من النبي صلى الله عليه وسلم ومن المؤمنين عن الله، على وجه الثناء
عليه، بأنه لا يكلف نفساً إلا وسعها.
ثم قال: { لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ } يعني لها ما كسبت من
الحسنات، وعليها ما اكتسبت يعني من المعاصي. وفي كسبت واكتسبت وجهان:
أحدهما: أن لفظهما مختلف ومعناهما واحد.
والثاني: أن كسبت مستعمل في الخير خاصة، واكتسبت مستعمل في الشر
خاصّة.
{ رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَآ إِن نَّسِينآ } قال الحسن: معناه: قولوا ربنا لا تؤاخذنا.
{ إِن نَّسِينَا } فيه تأويلان:
أحدهما: يعني إن تناسينا أمرك.
والثاني: تركنا، والنسيان: بمعنى الترك كقوله تعالى: { { نَسُواْ اللهَ
فَنَسِيَهُمْ } [التوبة: 67]، قاله قطرب.
{ أَوْ أَخْطَأْنَا } فيه تأويلان:
أحدهما: ما تأولوه من المعاصي بالشبهات.
والثاني: ما عمدوه من المعاصي التي هي خطأ تخالف الصواب.
وقد فَرَّقَ أهل اللسان بين "أخطأ" وخطيء، فقالوا: "أخطأ" يكون على
جهة الإِثم وغير الإِثم، وخطىء: لا يكون إلا على جهة الإِثم، ومنه قول
الشاعر:
والناس يَلْحُون الأَميرَ إذا هُمُ خطئوا الصوابَ ولا يُلام المرْشدُ
{ رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً } فيه أربعة تأويلات:
أحدها: إصراً أي عهداً نعجز عن القيام به، قاله ابن عباس، ومجاهد،
وقتادة.
الثاني: أي لا تمسخنا قردة وخنازير، وهذا قول عطاء.
الثالث: أنه الذنب الذي ليس فيه توبة ولا كفارة، قاله ابن زيد.
الرابع: الإِصر: الثقل العظيم، قاله مالك، والربيع، قال النابغة:
يا مانع الضيم أن يغشى سراتهم والحامل الإِصر عنهم بعدما عرضوا
{ كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا } يعني بني إسرائيل فيما حملوه من قتل
أنفسهم.
{ .. وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ } فيه قولان:
أحدهما: ما لا طاقة لنا به مما كُلِّفَهُ بنو إسرائيل.
الثاني: ما لا طاقة لنا به من العذاب.
{ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَآ أَنتَ مَوْلاَنَا } فيه وجهان:
أحدهما: مالكنا.
الثاني: وَلِيُّنا وناصرنا.
{ فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ } روى عطاء بن السائب عن سعيد ابن جبير
عن ابن عباس قال: لما نزلت هذه الآية: { ءَامَنَ الرَّسُولُ بِمَآ أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ }
فلما انتهى إلى قوله تعالى: { غُفْرَانَكَ رَبِّنَا } قال الله تعالى: قد غفرت لكم،
فلما قرأ: { رَ بَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَو أَخْطَأْنَا } قال الله تعالى: لا أؤاخذكم،
فلما قرأ: { رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَينَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا } قال الله
تعالى: لا أحمل عليكم. فلما قرأ: { رَبَّنَا وَلاَ تُحَمَّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ } قال الله
تعالى: لا أحملكم. فلما قرأ: { وَاعْفُ عَنَّا } قال الله تعالى: قد عفوت
عنكم. فلما قرأ: { وَاغْفِرْ لَنَا } قال الله تعالى: قد غفرت لكم. فلما قرأ:
{ وَارْحَمْنَا } قال الله تعالى: قدر رحمتكم. فلما قرأ: { فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ
الْكَافِرِينَ } قال الله تعالى: قد نصرتكم.
وروى مرثد بن عبد الله عن عقبة بن عامر الجهني قال: سمعت رسول
الله صلى الله عليه وسلم يقول: "اقْرَؤُوا هَاتَيْنِ الآيَتَيْنِ مِنْ خَاتِمَةِ البَقَرَةِ فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى أَعْطَانِيهَا مِن
تَحتِ العَرْشِ" .
وروى أبو سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "السُّورةُ الَّتِي
تُذْكَرُ فِيهَا البَقَرةُ فُسْطَاطُ القُرْآنِ، فَتَعَلَّمُوهَا فَإِنَّ تَعلِيمَهَا بَرَكَةٌ وَتَرْكَهَا حَسْرَةٌ، وَلاَ
يَسْتَطِيعُهَا البَطَلَةُ قِيلَ: وَمَنِ البَطَلَةُ؟ قَالَ: السَحَرَةُ" .