قوله تعالى: {لاَ تَفْتَرُواْ عَلَى اللَّهِ كَذِباً} فيه وجهان:
أحدهما: لا تفترواْ على الله كذباً بسحركم.
الثاني: بتكذيبي وقولكم م جئت به سحر.
{فَيُسْحِتَكُم بِعَذَابٍ} فيهلككم ويستأصلكم، قال الفرزدق:
وعض زمان يا ابن مروان لم يدع من المال إلا مسحتاً أو مُجَلَّف
فالمسحت: المستأصل،
والمجلف: المهلك.
{فَتَنَازَعُوآ أَمْرَهُم بَيْنَهُمْ} فيه وجهان:
أحدهما: فيما هيؤوه من الحبال والعصي، قاله الضحاك.
والثاني: فيمن يبتدىء بالإِلقاء.
{وَأَسَرُّواْ النَّجْوَى} فيه أربعة أقاويل:
أحدها: أن النجوى التي أسروها أن قالوا: إن كان هذا سحراً فسنغلبه،
وإن كان السماء فله أمره، قاله قتادة.
الثاني: أنه لما قال لهم {وَيْلَكُمْ} الآية. قالوا: ما هذا بقول ساحر، قاله
ابن منبه.
الثالث: أنه أسروا النجوى دون موسى وهارون بقولهم، {إنْ هَذَانِ
لَسَاحِرَانِ...} الآيات، قاله مقاتل والسدي.
الرابع: أنهم أسرواْ النجوى. إن غَلَبَنَا موسى اتبعناه، قاله الكلبي.
قوله تعالى: {قَالُواْ إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ} هذه قراءة أبي عمرو وهي
موافقة للإِعراب مخالفة للمصحف. وقرأ الأكثرون: إن هذان الساحران، فوافقوا
المصحف فيها، ثم اختلفوا في تشديد إنّ فخففها ابن كثير وحفص فسلما بتخفيف
إن من مخالفة المصحف ومن فساد الإِعراب، ويكون معناها: ما هذان إلا
ساحران. وقرأ أُبَيّ: إن ذان إلا ساحران، وقرأ باقي القراء بالتشديد: إنَّ هذان
لساحران. فوافقوا المصحف وخالفوا ظاهر الإِعراب. واختلف من قرأ بذلك في
إعرابه على أربعة أقاويل:
أحدها: أن هذا على لغة بلحارث بن كعب وكنانة بن زيد يجعلون رفع
الإِثنين ونصبه وخفضه بالألف، وينشدون:
فأطرق إطراق الشجاع ولو رأى مساغاً لِناباهُ الشجاع لصمّما
والوجه الثاني: لا يجوز أن يحمل القرآن على ما اعتل من اللغات ويعدل به
عن أفصحها وأصحها، ولكن في "إن" هاء مضمرة تقديرها إنّه هذان لساحران،
وهو قول متقدمي النحويين.
الثالث: أنه بَنَى "هذان" على بناء لا يتغير في الإِعراب كما بَنَى الذين على
هذه الصيغة في النصب والرفع.
الرابع: أن "إن" المشددة في هذا الموضع بمعنى نعم، كما قال
رجل لابن الزبير: لعن الله ناقة حملتني إليك، فقال ابن الزبير: إنّ وصاحبها.
وقال عبد الله بن قيس الرقيات:
بكى العواذل في الصبا ح يلمنني وألومُهُنّة
ويقلن شيب قد علا
ك وقد كبرت فقلت إنْه
أي نعم
{وَيَذْهَبَا بِطَرِيقتِكُمْ الْمُثْلَى} في قائل هذه ثلاثة أقاويل:
أحدها: أنه قول السحرة.
الثاني: أنه قول قوم فرعون.
الثالث: قول فرعون من بين قومه، وإن أشير به إلى جماعتهم.
وفي تأويله خمسة أوجه:
أحدها: ويذهبا بأهل العقل والشرف. قاله مجاهد.
الثاني: ببني إسرائيل، وكانوا أولي عدد ويسار، قاله قتادة.
الثالث: ويذهبا بالطريقة التي أنتم عليها في السيرة قاله ابن زيد.
الرابع: ويذهبا بدينكم وعبادتكم لفرعون، قاله الضحاك.
الخامس: ويذهبا بأهل طريقتكم المثلى، [والمثلى مؤنث] الأمثل والمراد
بالأمثل الأفضل، قال أبو طالب:
وإنا لعمرو الله إن جدّ ما أرى لتلتبسن أسيافنا بالأماثل
قوله تعالى: {فَأَجْمِعُواْ كَيْدَكُمْ} فيه وجهان:
أحدهما: جماعتكم على أمرهم في كيد موسى وهارون.
الثاني: معناه أحكموا أمركم، قال الراجز:
يا ليت شعري والمنى لا تنفع هل أغدوا يوماً وأمري مجمع
أي محكم.
{ثُمَّ ائْتُواْ صَفّاً} أي اصطفواْ ولا تختلطواْ.
{... مَنِ اسْتَعْلَى} أي غلب.