التفاسير

< >
عرض

يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّىٰ تَسْتَأْنِسُواْ وَتُسَلِّمُواْ عَلَىٰ أَهْلِهَا ذٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ
٢٧
فَإِن لَّمْ تَجِدُواْ فِيهَآ أَحَداً فَلاَ تَدْخُلُوهَا حَتَّىٰ يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِن قِيلَ لَكُمْ ٱرْجِعُواْ فَٱرْجِعُواْ هُوَ أَزْكَىٰ لَكُمْ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ
٢٨
لَّيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَدْخُلُواْ بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَّكُمْ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ
٢٩
-النور

النكت والعيون

قوله تعالى: { لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتاً غَيْر بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأُنِسُواْ } فيه ثلاثة أقاويل:
أحدها: حتى تستأذنوا. واختلف من قال بهذا التأويل فقال ابن عباس: أخطأ الكاتب فيه فكتب تستأنسوا وكان يقرأ: حتى تستأذنوا. وقال غيره: لأن الاستئذان مؤنس فعبر عنه بالاستئناس، وليس فيه خطأ من كاتب ولا قارىء.
الثاني: معناه حتى تؤنسوا أهل البيت بالتنحنح فيعلموا بقدومك عليهم، قاله مجاهد.
الثالث: أن تستأنسوا يعني أن تعلموا فيها أحداً استأذنوه فتسلموا عليه ومنه قوله تعالى:
{ { فإن آنستم منهم رشداً } [النساء: 6] أي علمتم، قاله ابن قتيبة. وقال ابن الأعرابي الاستئناس الاستثمار، والإيناس اليقين. والإذن يكون بالقول والإشارة. فإن جاهر فسؤال، فقد روى قتادة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "رَسُولُ الرَّجُلِ إِذْنُهُ فَإِنِ اسْتَأَذَنَ ثَلاَثاً وَلَمْ يُؤْذَنْ لَه ولَّى فلم يُراجِعْ فِي الاسْتِئْذَانِ"
روى الحسن البصري أن [أبا موسى] الأشعري استأذن على عمر رضي الله عنه ثلاثاً فلم يؤذن له فرجع فأرسل إليه عمر فقال: ما ردّك؟ فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنِ اسْتَأَذَنَ ثلاثاً فَلَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فَلْيَرْجِع" فقال عمر: لتجيئني على بينة أو لأجعلنك نكالاً فأتى طلحة فشهد له قال الحسن: الأولى إذنٌ، والثانية مؤامرة، والثالثة: عزمة، إن شاءواْ أذنوا وإن شاءوا ردوا.
ولا يستأذن وهو مستقبل الباب إن كان مفتوحاً، وإن أذن لأول القوم فقد أذن لآخرهم، ولا يقعدوا على الباب بعد الرد فإن للناس حاجات.
{ وَتُسَلِّمُواْ عَلَى أُهْلِهَا } والسلام ندب والاستئذان حتم. وفي السلام قولان:
أحدهما: أنه مسنون بعد الإذن على ما تضمنته الآية من تقديم الإِذن عليه.
الثاني: مسنون قبل الإذن وإن تأخر في التلاوة فهو مقدم في الحكم وتقدير الكلام حتى تسلموا وتستأذنوا لما روى محمد بن سيرين أن رجلاً استأذن على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أأدخل؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم لرجل عنده:
"قُمْ فَعَلِّمْ هذَا كَيْفَ يَسْتَأْذِنُ فإِنَّهُ لَمْ يُحْسِنْ" فسمعها الرجل فسلم واستأذن.
وأولى من إطلاق هذين القولين أن ينظر فإن وقعت العين على العين قبل الإِذن فالأولى تقديم السلام، وإن لم تقع العين على العين قبل الإذن فالأولى تقديم الاستئذان على السلام.
فأما الاستئذان على منازل الأهل فإن كانوا غير ذي محارم لزم الاستئذان عليهم كالأجانب وإن كانوا ذوي محارم وكان المنزل مشتركاً هو فيه وهم ساكنون لزم في دخوله إنذارهم إما بوطءٍ. أو نحنحة مفهمة إلا الزوجة فلا يلزم ذلك في حقها بحال لارتفاع العودة بينهما. وإن لم يكن المنزل مشتركاً ففي الاستئذان عليهم وجهان:
أحدهما: أنها النحنحة والحركة.
الثاني: القول كالأجانب. ورى صفوان عن عطاء بن يسار أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم: "أستأذن على أمي"؟ فقال:
"نعم" ، فقال إني أخدمها فقال: "استأذن عليها" فعاوده ثلاثاً: فقال: "أَتُحِبُّ أَنْ تَرَاهَا عُرْيَانَةً" ؟ قال: لا قال: "فَاسْتَأْذِنْ عَلَيهَا" .
قوله تعالى: { فَإِن لَّمْ تَجِدُواْ فِيهَا أَحَداً } يعني يأذن لكم.
{ فَلاَ تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُم } ولا يجوز التطلع إلى المنزل ليرى من فيه فيستأذنه إذا كان الباب مغلقاً لقول النبي صلى الله عليه وسلم:
"إِنَّمَا جُعِلَ الاسْتِئْذَانُ لأَجْلِ البَصَرِ، إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مَفْتُوحاً فَيَجُوزُ إِذا كَانَ خَارِجاً أَنْ يَنْظُرَ لأَنَّ صَاحِبَهُ بالفتح قَدْ أَبَاحَ النَّظَرَ"
{ وَإِن قِيلَ لَكُمْ ارْجِعُواْ فَارْجِعُواْ هُوَ أَزْكَى لَكُمْ } وهنا ينظر فإن كان بعد الدخول عن إذن لزم الانصراف وحرم اللبث، وإن كان قبل الدخول فهو رد الإِذن ومنع من الدخول. ولا يلزمه الانصراف عن موقفه من الطريق إلا أن يكون فناء الباب المانع فيكفي عنه، قال قتادة: لا تقعد على باب قوم ردوك فإن للناس حاجات.
قوله تعالى: { لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَدْخُلُواْ بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ } فيها خمسة أقاويل:
أحدها: أنها الخانات المشتركة ذوات البيوت المسكونة، قاله محمد بن الحنفية رضي الله عنه.
الثاني: أنها حوانيت التجار، قاله الشعبي.
الثالث: أنها منازل الأسفار ومناخات الرجال التي يرتفق بها مارة الطريق في أسفارهم، قاله مجاهد.
الرابع: أنها الخرابات العاطلات، قاله قتادة.
الخامس: أنها بيوت مكة، ويشبه أن يكون قول مالك.
{ فِيهَا مَتَاعٌ لَّكُمْ } فيه ثلاثة أقاويل:
أحدها: أنها عروض الأموال التي هي متاع التجار، قاله مجاهد.
الثاني: أنها الخلاء والبول سمي متاعاً لأنه إمتاع لهم، قاله عطاء.
الثالث: أنه المنافع كلها، قاله قتادة، فلا يلزم الاستئذان في هذه المنازل كلها. قال الشعبي: حوانيت التجار إذنهم جاءوا ببيوتهم فجعلوها فيها وقالوا للناس: هَلُمّ.