قوله تعالى: { وَقَالُواْ مَا لِهذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الأَسْوَاقِ }
فيه وجهان:
أحدهما: أنهم قالوا ذلك إزراء عليه أنه لما كان مثلهم محتاجاً إلى الطعام
ومتبذلاً في الأسواق لم يجز أن يتميز عليهم بالرسالة ووجب أن يكون مثلهم في
الحكم.
الثاني: أنهم قالوا ذلك استزادة له في الحال كما زاد عليهم في الاختصاص
فكان يجب ألاّ يحتاج إلى الطعام كالملائكة،ولا يتبذل في الأسواق كالملوك.
ومرادهم في كلا الوجهين فاسد من وجهين:
أحدهما: أنه ليس يوجب اختصاصه بالمنزلة نقله عن موضع الخلقة
لأمرين:
أحدهما: أن كل جنس قد يتفاضل أهله في المنزلة ولا يقتضي تمييزهم في
الخلقة كذلك حال من فضل في الرسالة.
الثاني: أنه لو نقل عن موضوع الخلقة بتمييزه بالرسالة لصار من غير جنسهم
ولما كان رسولاً منهم، وذلك مما تنفر منه النفوس.
وأما الوجه الثاني: فهو أن الرسالة لا تقتضي منعه من المشي في الأسواق
لأمرين:
أحدهما: أن هذا من أفعال الجبابرة وقد صان الله رسوله عن التجبر.
الثاني: لحاجته لدعاء أهل الأسواق إلى نبوته، ومشاهدة ما هم عليه من
منكر يمنع منه ومعروف يقر عليه.
{ لَوْلآَ أُنزِلَ إِلَيهِ } الآية أي هلا أُنزل إليه { مَلَكٌ... } وفيه وجهان:
أحدهما: أن يكون الملك دليلاً على صدقه.
الثاني: أن يكون وزيراً له يرجع إلى رأيه.
{ أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنزٌ } فلا يكون فقيراً.
{ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا } والجنة البستان فكأنهم استقلّوه لفقره. قال
الحسن: والله ما زَوَاهَا عن نبيه إلا اختياراً ولا بسطها لغيره إلا اغتراراً ولوا ذاك
لما أعاله.
قوله: { وَقَالَ الظَّالِمُونَ } يعني مشركي قريش وقيل إنه عبد الله بن
الزبعرى.
{ إِن تَبَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَّسْحُوراً } فيه وجهان:
أحدهما: سحر فزال عقله.
الثاني: أي سَحَرَكُمْ فيما يقوله.
قوله تعالى: { انظُرْ كَيفَ ضَرَبُواْ لَكَ الأَمْثَالَ } يعني ما تقدم من قولهم.
{ فَضَلُّواْ } فيه وجهان:
أحدهما: فضلواْ عن الحق في ضربها.
الثاني: فناقضوا في ذكرها لأنهم قالوا افتراه ثم قالوا تملى عليه وهما
متناقضان.
{ فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً } فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: مخرجاً من الأمثال التي ضربوها، قاله مجاهد.
الثاني: سبيلاً إلى الطاعة لله، قاله السدي.
الثالث: سبيلاً إلى الخير، قاله يحيى بن سلام.
قوله تعالى: { وَإِذَا أُلْقُواْ مِنْهَا مَكَاناً ضَيِّقاً } قال عبد الله بن عمرو: إن
جهنم لتضيق على الكافرين كضيق الزج على الرمح.
{ مُّقَرَّنِينَ } فيه وجهان:
أحدهما: مُكَتَفِينَ، قاله أبو صالح.
الثاني: يقرن كل واحد منهم إلى شيطانه، قاله يحيى بن سلام.
{ دَعَوْاْ هُنَالِكَ ثُبُوراً } فيه ثلاثة أوجه:
أحدهما: ويلاً، قاله ابن عباس.
الثاني: هلاكاً، قاله الضحاك.
الثالث: معناه وانصرافاه عن طاعة الله، حكاه ابن عيسى وروي النبي
صلى الله عليه السلام أنه قال: "أَوَّلُ مَن يَقُولُهُ إِبْلِيسُ"