قوله: { قَالَتْ يَآ أَيُّهَا الْمَلأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي } أشيروا عليّ في هذا الأمر الذي
نزل بي فجعلت المشورة فتيا وقيل: إنها أول من وضع المشورة.
{ مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْراً حَتَّى تَشْهَدُونَ } أي ممضية أمراً، وفي قراءة ابن مسعود
قاضية أمراً، والمعنى واحد.
{ حَتَّى تَشْهَدُونَ } فيه وجهان.
أحدهما: حتى تشيروا، قاله زهير.
الثاني: حتى تحضرواْ، قاله الكلبي.
قوله تعالى: { قَالُواْ نَحْنُ أُوْلُواْ قُوَّةٍ } أي أهل عدد وعدة.
{ وَأُوْلُواْ بَأْسٍ شَدِيدٍ } أي شجاعة وآلة، وفي هذا القول منهم وجهان:
أحدهما: تفويض الأمر إلى رأيها لأنها المدبرة لهم.
الثاني: أنهم أجابوها تبادرين إلى قتاله، قاله ابن زيد.
قال مجاهد: كان تحت يدي ملكة سبأ اثنا عشر ألف قيل تحت كل قيل
مائة ألف مقاتل وهذا بعيد.
{ وَالأَمْرُ إِلَيْكِ } الآية. عرضوا عليها الحرب وردواْ إليها الأمر، قال الحسن:
ولّوا أمرهم علجة يضطرب ثدياها، حدث أبو بكرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لَنْ يُفْلِحَ
قَوْمٌ تَمْلِكُهُمُ امْرَأَةٌ" .
قوله: { قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُواْ قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا } قال ابن عباس أخذوها
عنوة، وأفسدوها، وخربوها.
ويحتمل وجهاً آخر: أن يكون بالاستيلاء على مساكنها وإجلاء أهلها عنها.
{ وَجَعَلُواْ أَعِزَّةَ أَهْلِهَآ أَذِلَّةً } أي أشرافهم وعظماءهم أذلة وفيه وجهان:
أحدهما: بالسيف، قاله زهير.
الثاني: بالاستعباد، قاله ابن عيسى.
ويحتمل ثالثاً: أن يكون بأخذ أموالهم وحط أقدارهم.
{ وَكَذلِكَ يَفْعَلُونَ } فيه قولان:
أحدهما: أن هذا من قول الله، وكذلك يفعل الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها،
قاله ابن عباس.
الثاني أن هذا حكاية عن قول بلقيس: كذلك يفعل سليمان إذا دخل بلادنا،
قاله ابن شجرة.
قوله تعالى: { وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ } اختلف فيها على أربعة فيها على أربعة أقاويل:
أحدها: أنها كانت لبنة من ذهب، قاله ابن عباس.
الثاني: أنها كانت جوهَراً، قاله ابن جبير.
الثالث: أنها كانت صحائف الذهب في أوعية الديباج، قاله ثابت البناني.
الرابع: أنها أهدت غلماناً لباسهم لباس الجواري، وجواري لباسهم لباس
الغلمان، قاله مجاهد، وعكرمة وابن جبير، والسدي، وزهير، واختلف في عددهم
فقال سعيد بن جبير: كانوا ثمانين غلاماً وجارية، وقال زهير كانوا ثمانين غلاماً
وثمانين جارية.
{ فَنَاظِرةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ } قال قتادة: يرحمها الله إن كانت لعاقلة في
إسلامها وشركها، قد علمت أن الهدية تقع موقعها من الناس.
واختلف فيما قصدت بهديتها على قولين:
أحدهما: ما ذكره قتادة من الملاطفة والاستنزال.
الثاني: اختبار نبوته من ملكه، ومن قال بهذا اختلفوا بماذا اختبرته على قولين:
أحدهما: أنها اختبرته بالقبول والرد، فقالت: إن قبل الهدية فهو ملك فقاتلوه
على ملككم وإن لم يقبل الهدية فهو نبي لا طاقة لكم بقتاله، قاله ابن عباس وزهير.
الثاني: أنها اختبرته بتمييز الغلمان من الجواري،ومن قال بهذا اختلفوا بماذا
ميزهم سليمان عل ثلاثة أقوال.
أحدها: أن أمرهم بالوضوء فاغترف الغلام بيده وأفرغت الجارية على يديها
فميزهم بهذا، قاله السدي.
الثاني: لما توضؤوا غسل الغلمان ظهور السواعد قبل بطونها، وغسل الجواري
بطون السواعد قبل ظهورها، فميزهم بهذا، قاله قتادة.
الثالث: أنهم لما توضؤوا بدأ الغلام من مرفقه إلى كفه وبدأت الجارية من كفها
إلى مرفقها، فميزهم بهذا، قاله ابن جبير.