التفاسير

< >
عرض

قَالَ يٰأَيُّهَا ٱلْمَلأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ
٣٨
قَالَ عِفْرِيتٌ مِّن ٱلْجِنِّ أَنَاْ آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ
٣٩
قَالَ ٱلَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ ٱلْكِتَابِ أَنَاْ آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرّاً عِندَهُ قَالَ هَـٰذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِيۤ أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ
٤٠
-النمل

النكت والعيون

قوله { يَآ أَيُّهَا الْمَلأُ أَيُّكُمْ يَأَتِيني بِعَرْشِهَا } الآية. حكى يزيد بن رومان أنه لما عاد رسلها بالهدايا قالت: قد والله عرفت أنه ليس بملك وما لنا به طاقة، ثم بعثت إليه: إني قادمة عليك بملوك قومي ثم أمرت بعرشها فجعلته في سبعة أبيات بعضها في جوف بعض وغلقت عليه الأبواب وشَخَصَت إلى سليمان في اثني عشر ألف قيل من ملوك اليمن، فقال سليمان حين علم قدومها عليه:
{ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا } الآية: وفيه وجهان:
أحدهما: مسلمين أي مستسلمين طائعين، قاله ابن عباس.
الثاني: أن يأتوني مسلمين أي بحرمة الإٍسلام ودين الحق، قاله ابن جريج.
فإن قيل: فلم أَمَرَ أنَ أن يؤتى بعرشها قبل أن يأتوا إليه مسلمين؟
قيل عنه في الجواب خمسة أوجه:
أحدها: أنه أراد أن يختبر صدق الهدهد، قاله ابن عباس.
الثاني: أنه أعجب بصفته حين وصفه الهدهد وخشي أن تسلم فيحرم عليه مالها فأراد أخذه قبل أن يحرم عليه بإسلامها، قاله قتادة.
الثالث: أنه أحب أن يعاليها به وكانت الملوك يعالون بالملك والقدرة، قاله ابن زيد.
الرابع: أنه أراد أن يختبر بذلك عقلها وفطنتها، وهل تعرفه أو تنكره، قاله ابن جبير.
الخامس: أنه أراد أن يجعل ذلك دليلاً على صدق نبوته، لأنها خلفته في دارها وأوثقته في حرزها ثم جاءت إلى سليمان فوجدته قد تقدمها، قاله وهب.
قوله: { قَالَ عِفْرِيتٌ مِّنَ الْجِنِّ } العفريت المارد القوي، قال أبو صالح كأنه جبل وفيه وجهان:
أحدهما: أنه المبالغ في كل شيء مأخوذ من قولهم فلان عفرية نفرية إذا كان مبالغاً في الأمور، قاله الأخفش.
الثاني: أصله العفر وهو الشديد، زيدت فيه التاء فقيل عفريت، قاله ابن قتيبة.
{ أَنَاْ ءَاتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ } فيه ثلاثة أقاويل:
أحدها: من مجلسك وسمي المجلس مقاماً لإقامة صاحبه فيه كما قال تعالى:
{ { إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ } [الدخان: 51].
الثاني: أنه أراد يوماً معروفاً كان عادة سليمان أن يقوم فيه خطيباً يعظهم، ويأمرهم، وينهاهم، وكان مجيء اليوم تقريباً.
الثالث: أنه أراد قبل أن تسير عن ملكك إليهم محارباً.
{ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ } لقوي على حمله، وفي الأمين ثلاثة أقاويل:
أحدها: أمين على ما فيه من جوهر ولؤلؤ، قاله الكلبي وابن جرير.
الثاني: أمين ألا آتيك بغيره بدلاً منه، قاله ابن زيد.
الثالث: أمين على فرج المرأة، قاله ابن عباس، وحكى يزيد بن رومان ان اسم العفريت كودي، وحكى ابن أبي طلحة أن اسمه صخر، وحكى السدي أنه آصف بن السيطر بن إبليس، والله أعلم بصحة ذلك.
قوله: { قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ } فيه أربعة أقاويل:
أحدها: أنه ملك أيد الله به سليمان، والعلم الذي من الكتاب هو ما كتب الله لبني آدم، وقد علم الملائكة منه كثيراً فأذن الله له أن يعلم سليمان بذلك، وأن يأتيه بالعرش الذي طلبه، حكاه ابن بحر.
القول الثاني: أنه بعض جنود سليمان من الجن والإِنس، والعلم الذي عنده من الكتاب هو كتاب سليمان الذي كتبه إلى بلقيس وعلم أن الريح مسخرة لسليمان وأن الملائكة تعينه فتوثق بذلك قبل أن يأتيه بالعرش قبل أن يرتد إليه طرفه.
والقول الثالث: أنه سليمان قال ذلك للعفريت.
والقول الرابع: أنه قول غيره من الإنس، وفيه خمسة أقاويل:
أحدها: أنه مليخا، قاله قتادة.
الثاني: أنه أسطوم، قاله مجاهد.
الثالث: أنه آصف بن برخيا وكان صدّيقاً، قاله ابن رومان.
الرابع: أنه ذو النور بمصر، قاله زهير.
الخامس: أنه الخضر، قاله ابن لهيعة.
و { عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ } هو اسم الله الأعظم الذي إذا دعي به أجاب.
{ أَنَاْ ءَاتِيكَ بِهِ } يعني بالعرش.
{ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ } فيه ستة أوجه:
أحدها: قبل أن يأتيك أقصى من تنظر إليه، قاله ابن جبير.
الثاني: قبل أن يعود طرفك إلى مد بصرك، قاله ابن عباس، ومجاهد.
الثالث: قبل أن يعود طرفك إلى مجلسك، قاله إدريس.
الرابع: قبل الوقت الذي تنظر وروده فيه من قولهم: أنا ممد الطرف إليك أي منتظر لك، قاله ابن بحر.
الخامس: قبل أن يرجع طرف رجائك خائباً لأن الرجاء يمد الطرف والإياس يقصر الطرف.
السادس: قبل أن ينقص طرفك بالموت، أخبره أنه سيأتيه قبل موته.
{ فَلَمَّا رَءَاهُ مُسْتَقِراً عِندَهُ } قبل أن يرتد طرفه لأن الذي عنده علم عن الكتاب دعا باسم الله الأعظم وعاد طرف سليمان إليه فإذا العرش بين يديه.
قال عبد الرحمن بن زيد: لم يعلم سليمان ذلك الاسم وقد أُعطي ما أُعطي.
قال السدي: فجزع سليمان وقال: غيري أقدر على ما عند الله مني، ثم استرجع. { قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلُ رَبِّي } يعني وصول العرش إليّ قبل أن يرتد إليَّ طرفي.
{ لِيَبْلُوَنِّي ءَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ } قال زهير: أأشكر على العرش إذ أوتيته في سرعة أم أكفر فلا أشكر إذ رأيت من هو أعلم مني في الدنيا.
قال زهير: ثم عزم الله له على الشكر فقال: { وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرْ لِنَفْسِهِ } لأن الشكر تأدية حق واستدعاء مزيد.
{ وَمَن كَفَرَ فِإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ } عن الشكر { كَرِيمٌ } في التفضل، وهذه معجزة لسليمان أجراها الله على يد من اختصه من أوليائه.
وكان العرش باليمن وسليمان بالشام فقيل: ان الله حرك به الأرض حتى صار بين يديه.