التفاسير

< >
عرض

يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ ٱلنِّسَآءَ كَرْهاً وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُواْ بِبَعْضِ مَآ ءَاتَيْتُمُوهُنَّ إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَٰحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِٱلْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَيَجْعَلَ ٱللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً
١٩
وَإِنْ أَرَدْتُّمُ ٱسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَاراً فَلاَ تَأْخُذُواْ مِنْهُ شَيْئاً أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً
٢٠
وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَىٰ بَعْضُكُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَٰقاً غَلِيظاً
٢١
وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ ءَابَآؤُكُمْ مِّنَ ٱلنِّسَآءِ إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتاً وَسَآءَ سَبِيلاً
٢٢
-النساء

النكت والعيون

قوله تعالى: { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ النِّسَآءَ كَرْهاً }.
وسبب ذلك أن أهل المدينة في الجاهلية كانوا إذا مات أحدهم عن زوجة، كان ابنه وقريبه أولى بها من غيره ومنها بنفسها، فإن شاء نكحها كأبيه بالصداق الأول، وإن شاء زوجها وملك صداقها، وإن شاء عضلها عن النكاح حتى تموت فيرثها أو تَفْتَدِي منه نفسها بصداقها، إلى أَنْ تُوفِّيَ أبو قيس بن الأسلت عن زوجته كبيشة بنت معن بن عاصم فأراد ابنه أن يتزوجها فجاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت يا نبي الله لا أنا ورثت زوجي، ولا أنا تُرِكْتُ فأُنْكَح، فنزلت هذه الآية.
{ وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُواْ بِبَعْضِ مَآ ءَاتَيْتُمُوهُنَّ } فيه أربعة أقاويل:
أحدها: أنه خطاب لورثة الأزواج أن [لا] يمنعوهن من التزويج كما ذكرنا، وهذا قول ابن عباس، والحسن، وعكرمة.
والثاني: أنه خطاب للأزواج أن [لا] يعضلوا نساءهم بعد الطلاق، كما كانت قريش تفعل في الجاهلية وهو قول ابن زيد.
والثالث: أنه خطاب للأزواج أن [لا] يحبسواْ النساء كرهاً ليفتدين نفوسهن أو يَمُتْنَ فيرثهن الزوج، وهذا قول قتادة، والشعبي، والضحاك.
والرابع: أنه خطاب للأولياء وهذا قول مجاهد.
{ إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبِّينَةٍ } فيها ها هنا ثلاثة أقاويل:
أحدها: أنها الزنى، وهو قول الحسن، وأبي قلابة والسدي.
والثاني: أنها النشوز، وهو قول ابن عباس، وعائشة.
والثالث: أنها البذاء والأذى.
وقد روي عن مقسم في قراءة ابن مسعود "وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُواْ بِبَعْضِ مَا ءَاتَيتُمُوهُنَّ إِلاَّ أَن يُفْحِشْنَ".
{ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللهُ فِيهِ خَيراً كَثِيراً } قال ابن عباس: يعني الولد الصالح.
قوله تعالى: { وَإِنْ أَرَدتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ وَءَاتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَاراً فَلاَ تَأْخُذُواْ مِنْهُ شَيئاً } يعني أنهن قد ملكن الصداق، وليس مِلْكُهُنَّ للصداق موقوفاً على التمسك بهن، بل ذلك لهن مع إمساكهن، وفراقهن.
{ أَتَأْخُذُونُه بُهْتَاناً } فيه قولان:
أحدهما: ظلماً بالبهتان.
والثاني: أن يبهتها أن جعل ذلك ليسترجعه منها.
وإنما منع من ذلك مع الاستبدال بهن وإن كان ممنوعاً منه وإن لم يستبدل بهن أيضاً لِئَلا يتوهم متوهم أنه يجور مع استبدال غيرها بها أن يأخذ ما دفعه إليها ليدفعه إلى من استبدل بها منه وإن كان ذلك عموماً.
قوله تعالى: { وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ } فيه قولان:
أحدهما: أن (الإفضاء) الجماع، وهو قول ابن عباس، ومجاهد، والسدي.
والثاني: أنه الخلوة، وهو قول أبي حنيفة.
{ وَأَخَذْنَ مِنكم مِّيثَاقاً غَلِيظاً } فيه ثلاثة أقاويل:
أحدها: أنه عقد النكاح الذي استحل به الفرج، وهو قول مجاهد.
والثاني: أنه إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان، وهو قول الضحاك، والسدي، والحسن، وابن سيرين، وقتادة.
والثالث: أنه ما رواه موسى بن عبيدة، صعدة بن يسار عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ النِّسَاءَ عِندَكُم عَوانٌ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانَةِ اللهِ وَاسْتَحْلَلْتُم فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللهِ فَلَكُم عَلَيهِنَّ حَقٌ وَلَهُنَّ عَلَيكُم حَقٌ، وَمِنْ حَقِّكُم عَلَيهِنَّ أَلاَّ يُوطِئْنَ فَرشَكُم أَحدَاً وَلاَ يَعْصِينَكُمْ فِي مَعْرُوفٍ، فَإنْ فَعَلْنَ فَلَهُنَّ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ" .
واختلف في ثبوت حكمها أو نسخه على قولين:
أحدهما: أنها محكمة، لا يجوز له أن يْأخذ منها شيئاً مما أعطاها سواء كانت هي المريدة للطلاق أو هو، وهو قول بكر بن عبد الله المزني.
والثاني: أنها منسوخة بقوله تعالى: { وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُوا مِمَّا ءَاتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلاَّ أَن يَخَافَا أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللهِ }، وهذا قول ابن زيد.
وقال أبو جعفر الطبري وغيره: حكمها ثابت عند عن خوف النشوز فيجوز أن يفاديها.
قوله تعالى: { وَلاَ تَنكِحُوا مَا نَكَحَ ءَابَاؤُكُم مِّنَ النِّسَاءِ إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ } فيه أربعة أقاويل:
أحدها: أنها نزلت في قوم كانوا يَحْلُفْون الآباء على نسائهم، فجاء الإسلام بتحريم ذلك وعفا عما كان منهم في الجاهلية أن يؤاخذواْ به إذا اجتنبوه في الإسلام، وهذا قول ابن عباس، وقتادة وعطاء، وعكرمة.
والثاني: يعني لا تنكحواْ كنكاح آبائكم في الجاهلية على الوجه الفاسد، إلا ما سلف منكم في جاهليتكم فإنه معفو عنه إذا كان مما يجوز الإقرار عليه، وهذا قول بعض التابعين.
والثالث: معناه: ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء بالنكاح الجائز، إلا ما قد سلف منهم بالزنى والسفاح، فإن نكاحهن حلال لكم، لأنهن لم يَكُنَّ حلالاً، وإنما كان نكاحهن فاحشة ومقتاً وساء سبيلاً، وهذا قول ابن زيد.
والرابع: إلا ما قد سلف فدعوه فإنكم تؤاخذون به، قالوه وهذا من الاستثناء المنقطع، ومنهم من جعله بمعنى لكن.
{ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتاً } والمقت شدة البغض لقبح مرتكبه، ومنه قولهم قد مقته الناس إذا أبغضوه، ورجل مقيت، وكان يقال لولد الرجل من امرأة أبيه المقتي.
{ وَسَاءَ سَبِيلاً } يعني طريقاً.