التفاسير

< >
عرض

يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَىٰ أَن يَكُونُواْ خَيْراً مِّنْهُمْ وَلاَ نِسَآءٌ مِّن نِّسَآءٍ عَسَىٰ أَن يَكُنَّ خَيْراً مِّنْهُنَّ وَلاَ تَلْمِزُوۤاْ أَنفُسَكُمْ وَلاَ تَنَابَزُواْ بِٱلأَلْقَابِ بِئْسَ ٱلاسْمُ ٱلْفُسُوقُ بَعْدَ ٱلإَيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلظَّالِمُونَ
١١
-الحجرات

النكت والعيون

قوله عز وجل: { يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ لاَ يَسْخَرْ قَوْمٌ مَِّن قَوْمٍ } الآية. أما القوم فهم الرجال خاصة، لذلك ذكر بعدهم النساء. ويسمى الرجال قوماً لقيام بعضهم مع بعض في الأمور، ولأنهم يقومون بالأمور دون النساء، ومنه قول الشاعر:

وما أدري وسوف إخال أدري أقوم آل حصن أم نساء

وفي هذه السخرية المنهي عنها قولان:
أحدهما: أنه استهزاء الغني بالفقير إذا سأله، قاله مجاهد.
الثاني: أنه استهزاء المسلم بمن أعلن فسقه، قاله ابن زيد.
ويحتمل ثالثاً: أنه استهزاء الدهاة بأهل السلامة.
{ عَسَى أَن يَكُونُواْ خَيْراً مِّنْهُمْ } عند الله تعالى. ويحتمل: خيراً منهم معتقداً وأسلم باطناً. { وَلاَ نِسَآءٌ مِّن نِّسآءٍ عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرُا مِّنْهُنَّ }.
{ وَلاَ تَلْمِزُواْ أَنفُسَكُمْ } فيه وجهان:
أحدهما: ولا تلمزوا أهل دينكم.
الثاني: لا تلمزوا بعضكم بعضاً: واللمز: العيب.
وفي المراد به هنا ثلاثة أوجه:
أحدها: لا يطعن بعضكم على بعض، قاله ابن عباس ومجاهد وقتادة وسعيد ابن جبير.
الثاني: لا تختالوا فيخون بعضكم بعضاً، قاله الحسن.
الثالث: لا يلعن بعضكم بعضاً، قاله الضحاك.
{ وَلاَ تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ } في النبز وجهان:
أحدهما: أنه اللقب الثابت، قاله المبرد.
الثاني: أن النبز القول القبيح، وفيه هنا أربعة أوجه:
أحدها: أنه وضع اللقب المكروه على الرجل ودعاؤه به. قال الشعبي: روي أن وفد بني سليم قدموا على النبي صلى الله عليه وسلم وللرجل منهم اسمان وثلاثة فكان يدعوا الرجل بالاسم فيقال إنه يكره هذا، فنزلت هذه الآية.
الثاني: أنه تسمية الرجل بالأعمال السيئة بعد الإسلام... يا فاسق... يا سارق، يا زاني، قاله ابن زيد.
الثالث: أنه يعيره بعد الإسلام بما سلف من شركه، قاله عكرمة.
الرابع: أن يسميه بعد الإسلام باسم دينه قبل الإسلام، لمن أسلم من اليهود... يا يهودي، ومن النصارى... يا نصراني، قاله ابن عباس، والحسن. فأما مستحب الألقاب ومستحسنها فلا يكره، وقد وصف النبي صلى الله عليه وسلم عدداً من أصحابه بأوصاف فصارت لهم من أجمل الألقاب.
واختلف في من نزلت فيه هذه الآية على أربعة أقاويل:
أحدها: أنها نزلت في ثابت بن قيس بن شمسان وكان في أذنه ثقل فكان يدنو من رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يسمع حديثه، فجاء ذات يوم وقد أخذ الناس مجالسهم فقال:
"تَفَسَّحُواْ" ففعلوا إلا رجلاً كان بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم فإنه لم يفسح وقال: "قَدْ أَصَبْتَ مَوْضِعاً" فنبذه ثابت، بلقب كان لأمه مكروهاً، فنزلت، قاله الكلبي والفراء.
الثاني: أنا نزلت في كعب بن مالك الأنصاري، وكان على المغنم فقال لعبد الله بن أبي حدرد: يا أعرابي، فقال له عبد الله: يا يهودي، فتشاكيا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنزلت فيهما، حكاه مقاتل.
الثالث: أنها نزلت في الذين نادوا رسول الله صلى الله عليه وسلم من وراء الحجرات عند استهزائهم بمن مع رسول الله من الفقراء والموالي فنزل ذلك فيهم.
الرابع: أنا نزلت في عائشة وقد عابت أم سلمة.
واختلفوا في الذي عابتها به فقال مقاتل: عابتها بالقصر، وقال غيره: عابتها بلباس تشهرت به.