التفاسير

< >
عرض

وَإِذْ قَالَ ٱللَّهُ يٰعِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ ٱتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَـٰهَيْنِ مِن دُونِ ٱللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِيۤ أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ ٱلْغُيُوبِ
١١٦
مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَآ أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَّا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنتَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ
١١٧
إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ
١١٨
-المائدة

النكت والعيون

قوله عز وجل: { وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ ءَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ... } الآية. { إِذْ } ها هنا بمعنى (إذا) كما قال أبو النجم:

ثم جزاك الله عني إذ جزى جنات عدن في السموات العلا

يعني إذا جزى، فأقام الماضي مقام المستقبل وهذا جائز في اللغة كما قال تعالى: { { وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ } [الأعراف: 44].
واختلف أهل التأويل في معنى هذا السؤال وليس باستفهام وإن خرج مخرج الاستفهام على قولين:
أحدهما: أنه تعالى سأله عن ذلك توبيخاً لمن ادعى ذلك عليه، ليكون إنكاره بعد السؤال أبلغ فى التكذيب وأشد فى التوبيخ والتقريع.
والثاني: أنه قصد بهذا السؤال تعريفه أن قومه غُيِّرُوا بعده وادعوا عليه ما لم يقله.
فإن قيل: فالنصارى لم تتخذ مريم إلهاً، فكيف قال تعالى فيهم ذلك؟
قيل: لما كان من قولهم أنها لم تلد بشراً وإنما ولدت إِلَهاً لزمهم أن يقولوا إنها لأجل البعضي بمثابة من ولدته، فصاروا حين لزمهم ذلك كالقائلين له.
وفي زمان هذا السؤال قولان:
أحدهما: أن الله تعالى قال ذلك لعيسى حين رفعه إليه في الدنيا، قاله السدي وميسرة.
والثاني: أن الله تعالى يقول له ذلك يوم القيامة، قاله ابن جريج وقتادة وهو أصح القولين.
{ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقِّ } أي أدعي لنفسي ما ليس من شأنها، يعني أنني مربوب ولست برب، وعابد ولست بمعبود.
وبدأ بالتسبيح قبل الجواب لأمرين:
أحدهما: تنزيهاً له عما أضيف إليه.
الثاني: خضوعاً لعزته وخوفاً من سطوته.
ثم قال: { إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ } فرد ذلك إلى علمه تعالى، وقد كان الله عالماً به أنه لم يقله، ولكن قاله تقريعاً لمن اتخذ عيسى إلهاً.
{ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ } فيه وجهان.
أحدهما: تعلم ما أخفيه ولا أعلم ما تخفيه.
والثاني: تعلم ما أعلم ولا أعلم ما تعلم.
وفي النفس قولان: أحدهما: أنها عبارة عن الجملة كلها.
والثاني: أنها عبارة عن بعضه، كقولهم قتل فلان نفسه.
{ إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ } يحتمل وجهين:
أحدهما: عالم السر والعلانية.
والثاني: عالم ما كان وما يكون.
وفي الفرق بين العالم والعلام وجهان:
أحدهما: أن العلام الذي تقدم علمه، والعالم الذي حدث علمه.
والثاني: أن العلام الذي يعلم ما كان وما يكون، والعالم الذي يعلم ما كان ولا يعلم ما يكون.
قوله عز وجل: { مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ } لم يذكر عيسى ذلك على وجه الإِخبار به لأن الله عالم به، ويحتمل وجهين:
أحدهما: تكذيباً لمن اتخذ إلهاً معبوداً.
والثاني: الشهادة بذلك على أمته فيما أمرهم به من عبادة ربه.
قوله تعالى: { أَنِ اعْبُدُواْ اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ } يحتمل وجهين:
أحدهما: إعلامهم أن الله ربه وربهم واحد.
والثاني: أن عليه وعليهم أن يعبدوا رباً واحداً حتى لا يخالفوا فيما عبدوه.
{ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَّا دُمْتُ فِيِهِمْ } يحتمل وجهين:
أحدهما: يعني شاهداً.
والثاني: شاهداً عليهم.
{ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي } فيه وجهان:
أحدهما: أنه الموت.
والثاني: أنه رفعه إلى السماء.
{ ...الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ } فيه وجهان:
أحدهما: الحافظ عليهم.
والثاني: العالم بهم.
{ وَأَنتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ } يحتمل وجهين:
أحدهما: شاهداً لما حضر وغاب.
والثاني: شاهداً على من عصى، وأطاع.
قوله عز وجل: { إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ } يحتمل وجهين:
أحدهما: أنه قاله على وجه الاستعطاف لهم والرأفة بهم كما يستعطف العبد سيده.
والثاني: أنه قاله على وجه التسليم لأمر ربه والاستجارة من عذابه.