التفاسير

< >
عرض

وَلَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ ٱلْوَرِيدِ
١٦
إِذْ يَتَلَقَّى ٱلْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ ٱلْيَمِينِ وَعَنِ ٱلشِّمَالِ قَعِيدٌ
١٧
مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ
١٨
وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ
١٩
وَنُفِخَ فِي ٱلصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ ٱلْوَعِيدِ
٢٠
وَجَآءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّعَهَا سَآئِقٌ وَشَهِيدٌ
٢١
لَّقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَـٰذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَآءَكَ فَبَصَرُكَ ٱلْيَوْمَ حَدِيدٌ
٢٢

النكت والعيون

قوله عز وجل: { وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ } الوسوسة كثرة حديث النفس بما لا يتحصل في حفاء وإسرار، ومنه قول رؤبة:

وسوس يدعو مخلصاً رب الفلق ..........................

{ وَنَحْنُ أَقْرَبٌ إِلَيهِ مِن حَبْلِ الْوَرِيدِ } فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: أنه حبل معلق به القلب، قاله الحسن. والأصم وهو الوتين.
الثاني: أنه عرق في الحلق، قاله أبو عبيدة.
الثالث: ما قاله ابن عباس، عرق العنق ويسمى حبل العاتق، وهما وريدان عن يمين وشمال، وسمي وريداً، لأنه العرق الذي ينصب إليه ما يرد من الرأس.
وفي قوله { وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيهِ مِن حَبْلِ الْوَرِيدِ } تأويلان:
أحدهما: ونحن أقرب إليه من حبل وريده الذي هو منه.
الثاني: ونحن أملك به من حبل وريده، مع استيلائه عليه.
ويحتمل ثالثاً: ونحن أعلم بما توسوس به نفسه من حبل وريده، الذي هو من نفسه، لأنه عرق يخالط القلب، فعلم الرب أقرب إليه من علم القلب.
قوله عز وجل: { إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ.. } الآية. قال الحسن ومجاهد وقتادة: المتلقيان ملكان يتلقيان عملك، أحدهما عن يمينك، يكتب حسناتك، والآخر عن شمالك يكتب سيئاتك.
قال الحسن: حتى إذا مت طويت صحيفة عملك وقيل لك يوم القيامة: { اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً } عدل والله عليك من جعلك حسيب نفسك.
وفي { قَعِيدٌ } وجهان:
أحدهما: أنه القاعدة، قاله المفضل.
الثاني: المرصد الحافظ، قاله مجاهد. وهو مأخوذ من القعود.
قال الحسن: الحفظة أربعة: ملكان بالنهار وملكان بالليل.
قوله عز وجل: { مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ } أي ما يتكلم بشيء، مأخوذ من لفظ الطعام، وهو إخراجه من الفم.
{ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ } فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: أنه المتتبع للأمور.
الثاني: أنه الحافظ، قاله السدي.
الثالث: أنه الشاهد، قاله الضحاك.
وفي { عَتِيدٌ } وجهان:
أحدهما: أنه الحاضر الذي لا يغيب.
الثاني: أنه الحافظ المعد إما للحفظ وإما للشهادة.
قوله عز وجل: { وَجَآءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ } يحتمل وجهين:
أحدهما: ما يراه عند المعاينة من ظهور الحق فيما كان الله قد أوعده.
الثاني: أن يكون الحق هو الموت، سمي حقاً، إما لاسحقاقه، وإما لانتقاله إلى دار الحق. فعلى هذا يكون في الكلام تقديم وتأخير. وتقديره: وجاءت سكرة الحق بالموت، ووجدتها في قراءة ابن مسعود كذلك.
{ ذلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ } يحتمل وجهين:
أحدهما: أنه كان يحيد من الموت، فجاءه الموت.
الثاني: أنه يحيد من الحق، فجاءه الحق عند المعاينة.
وفي معنى التحيد وجهان:
أحدهما: أنه الفرار، قاله الضحاك.
(الثاني): العدول، قاله السدي. ومنه قول الشاعر:

ولقد قلت حين لم يك عنه لي ولا للرجال عنه محيد

فروى عاصم بن أبي بهدلة، عن أبي وائل، أن عائشة قالت عند أبيها وهو يقضي:

لعمرك ما يغني الثراء عن الفتى إذا حشرجت يوماً، وضاق بها الصدر

فقال أبو بكر: "هلا قلت كما قال الله]:وَجَآءَتْ سَكْرَتُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ }.
قوله عز وجل: { وَجَآءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّعَهَا سَآئِقٌ وَشَهِيدٌ } أما السائق ففيه قولان:
أحدهما: أنه ملك يسوقه إلى المحشر، قاله أبو هريرة وابن زيد.
الثاني: أنه أمر من الله يسوقه إلى موضع الحساب، قاله الضحاك.
وأما الشهيد ففيه أربعة أقاويل:
أحدها: أنه ملك يشهد عليه بعمله، وهذا قول عثمان بن عفان والحسن.
الثاني: أنه الإنسان، يشهد على نفسه بعمله، رواه أبو صالح.
الثالث: أنها الأيدي والأرجل تشهد عليه بعمله بنفسه، قاله أبو هريرة.
ثم في الآية قولان:
أحدهما: أنها عامة في المسلم والكافر، وهو قول الجمهور.
الثاني: أنها خاصة في الكافر، قاله الضحاك.
قوله عز وجل:{ لَقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّن هَذَا } فيه وجهان:
أحدهما أنه الكافر، كان في غفلة من عواقب كفره، قاله ابن عباس.
الثاني: أنه النبي صلى الله عليه وسلم، كان في غفلة عن الرسالة مع قريش في جاهليتهم، قاله عبد الرحمن بن زيد.
ويحتمل ثالثاً: لقد كنت أيها الإنسان في غفلة عن أن كل نفس معها سائق وشهيد لأن هذا لا يعرف إلا بالنصوص الإلهية.
{ فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَآءَكَ } فيه أربعة أوجه:
أحدها: أنه إذا كان في بطن أمه فولد، قاله السدي.
الثاني: إذا كان في القبر فنشر، وهذا معنى قول ابن عباس.
الثالث: أنه وقت العرض في القيامة، قاله مجاهد.
الرابع: أنه نزول الوحي وتحمل الرسالة، وهذا معنى قول ابن زيد.
{ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ } وفي المراد بالبصر هنا وجهان:
أحدهما: بصيرة القلب لأنه يبصر بها من شواهد الأفكار، ونتائج الاعتبار ما تبصر العين ما قابلها من قبلها من الأشخاص والأجسام، فعلى هذا في قوله: { حَدِيدٌ } تأويلان:
أحدهما: سريع كسرعة مور الحديد.
الثاني: صحيح كصحة قطع الحديد.
الوجه الثاني: أن المراد به بصر العين وهو الظاهر، فعلى هذا في قوله: { حَدِيدٌ } تأويلان:
أحدهما: شديد، قاله الضحاك.
الثاني: بصير، قاله ابن عباس.
وماذا يدرك البصر؟ فيه خمسة أوجه:
أحدها: يعاين الآخرة، قاله قتادة.
الثاني: لسان الميزان، قاله الضحاك.
الثالث: ما يصير إليه من ثواب أو عقاب، وهو معنى قول ابن عباس.
الرابع: ما أمر به من طاعة وحذره من معصية، وهو معنى قول ابن زيد.
الخامس: العمل الذي كان يعمله في الدنيا، قاله الحسن.