قوله تعالى { الرَّحْمَنُ } فيه قولان:
أحدهما: أنه اسم ممنوع لا يستطيع الناس أن ينتحلوه، قاله الحسن، وقطرب.
الثاني: أنه فاتحة ثلاث سور إذا جمعن كن اسماً من أسماء الله تعالى:
{ الر } و { حم } و { ن } فيكون مجموع هذه { الرَّحْمَنُ }، قاله سعيد بن جبير،
وابن عباس.
{ عَلَّمَ الْقُرْءانَ } فيه وجهان:
أحدهما: علمه النبي صلى الله عليه وسلم حتى أداه إلى جميع الناس.
الثاني: سهل تعلمه على جميع الناس.
{ خَلَقَ الإِنسَانَ } فيه قولان:
أحدهما: يعني آدم، قاله الحسن وقتادة.
الثاني: أنه أراد جميع الناس وإن كان بلفظ واحد، وهو قول الأكثرين.
{ عَلَّمَهُ الْبَيَانَ } لأنه بالبيان فُضِّل على جميع الحيوان، وفيه ستة تأويلات:
أحدها: أن البيان الحلال والحرام، قاله قتادة.
الثاني: الخير والشر، قاله الضحاك، والربيع بن أنس.
الثالث: المنطق والكلام، قاله الحسن.
الرابع: الخط، وهو مأثور.
الخامس: الهداية، قاله ابن جريج.
السادس: العقل لأن بيان اللسان مترجم عنه.
ويحتمل سابعاً: أن يكون البيان ما اشتمل على أمرين: إبانة ما في نفسه
ومعرفة ما بين له.
وقول ثامن لبعض أصحاب الخواطر: خلق الإنسان جاهلاً به، فعلمه السبيل
إليه.
{ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ } فيه خمسة أوجه:
أحدها: يعني بحساب، قاله ابن عباس، والحسبان مصدر الحساب، وقيل:
جمعه.
الثاني: معنى الحسبان هذه آجالها، فإذا انقضى الأجل كانت القيامة، قاله
السدي.
الثالث: أنه يقدر بهما الزمان لامتياز النهار بالشمس والليل بالقمر
ولو استمر أحدهما فكان الزمان ليلاً كله أو نهاراً كله لما عرف قدر الزمان، قاله ابن
زيد.
الرابع: يدوران، وقيل إنهما يدوران في مثل قطب الرحى، قاله مجاهد.
الخامس: معناه يجريان بقدر.
{ وَالنَّجْمُ وَالْشَّجَرُ يَسْجُدَانِ } في النجم قولان:
أحدهما: نجم السماء، وهو موحد والمراد به جميع النجوم، قاله مجاهد.
الثاني: أن النجم النبات الذي قد نجم في الأرض وانبسط فيها، ليس له ساق،
والشجر ما كان على ساق، قاله ابن عباس.
وفي سجودهما خمسة أقاويل:
أحدها: هو سجود ظلهما، قاله الضحاك.
الثاني: هو ما فيهما من الصنعة والقدرة التي توجب السجود والخضوع، قاله ابن
بحر.
الثالث: أن سجودهما دوران الظل معهما، كما قال تعالى: { يتفيأ ظلاله }، قاله
الزجاج.
الرابع: أن سجود النجم أفوله، وسجود الشجر إمكان الإجتناء لثمارها.
الخامس: أن سجودهما أنهما يستقبلان الشمس إذا أشرقت ثم يميلان معها إذا
انكسر الفيء، قاله الفراء.
{ وَالسَّمَآءَ رَفَعَهَا } يعني على الأرض.
{ وَوَضَعَ الْمِيزَانَ } فيه ثلاثة أقاويل:
أحدها: أنه الميزان ذو اللسان ليتناصف به الناس في الحقوق، قاله الضحاك.
الثاني: أن الميزان الحكم.
الثالث: قاله قتادة، ومجاهد، والسدي: أنه العدل، ومنه قول حسان:
ويثرب تعلم أنا بها إذا التبس الأمر ميزانها
{ أَلاَّ تَطْغُواْ فِي الْمِيزَانِ } وفي الميزان ما ذكرناه من الأقاويل:
أحدها: أنه العدل وطغيانه الجور، قاله مجاهد.
الثاني: أنه ميزان الأشياء الموزونات وطغيانه البخس، قاله مقاتل، وقال ابن
عباس: يا معشر الموالي وليتم أمرين بهما هلك الناس قبلكم: المكيال والميزان.
الثالث: أنه الحكم، وطغيانه التحريف.
{ وَأقِيمُواْ الْوَزْنَ بَالْقِسْطِ } أي بالعدل، قال مجاهد: القسط: العدل.
{ وَلاَ تُخْسِرُواْ الْمِيزَانَ } أي لا تنقصوه بالبخس قيل: إنه المقدار: فالجور إن
قيل: إنه العدل، والتحريف إن قيل: الحكم.
وفي وجه رابع: أنه ميزان حسناتكم يوم القيامة.
{ وَالأرْضَ وَضَعَهَا لِلأَنَامِ } أي بسطها ووطأها للأنام ليستقروا عليها ويقتاتوا
منها.
وفي الأنام ثلاثة أقاويل:
أحدها: أنهم الناس، قاله ابن عباس، وفيه قول بعض الشعراء في رسول
الله صلى الله عليه وسلم:
مبارك الوجه يستسقى الغمام به ما في الأنام له عدل ولا خطر
الثاني: أن الأنام الإنس والجن، قاله الحسن.
الثالث: أن الأنام جميع الخلق من كل ذي روح، قاله مجاهد، وقتادة
والسدي، سمي بذلك لأنه ينام، قال الشاعر:
جاد الإله أبا الوليد ورهطه رب الأنام وخصه بسلام
{ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَالنَّخْلُ ذَاتُ الأَكمَامِ } فيه أربعة أقاويل:
أحدها: أن ذات الأكمام النخل، وأكمامها ليفها الذي في أعناقها، قاله
الحسن.
الثاني: أنه رقبة النخل التي تكمم فيه طلعاً، ومنه قول الشاعر:
وذات أثارة أكلت عليها نباتاً في أكمتة قفار
الثالث: أنه الطلع المكمم الذي هو كمام الثمرة، قاله ابن زيد.
الرابع: أن معنى ذات الأكمام أي ذوات فضول على كل شيء، قاله ابن
عباس.
{ وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالْرَّيْحَانُ } أما الحب فهو كل حب خرج من أكمامها
كالبر والشعير.
وأما العصف ففيه ثلاثة أقاويل:
أحدها: تبن الزرع وورقه الذي تعصفه الريح، قاله ابن عباس.
الثاني: أنه الزرع إذا اصفر ويبس.
الثالث: أنه حب المأكول منه، قاله الضحاك، كما قال تعالى: { كَعَصْفٍ
مَأكُولٍ }.
وأما الريحان ففيه خمسة أوجه:
أحدها: أنه الرزق، قاله مجاهد، وسعيد بن جبير، والسدي، والعرب تقول:
خرجنا نطلب ريحان الله أي رزقه، ويقال سبحانك وريحانك أي رزقك، وقال
النمر بن تولب:
سلام الإله وريحانه ورخيته وسماء درر
قاله الضحاك، ورخيته هي لغة حِمْيَر.
الثاني: أن الريحان الزرع الأخضر الذي لم يسنبل، قاله ابن عباس.
الثالث: أنه الريحان الذي يشم، قاله الحسن، والضحاك، وابن زيد.
الرابع: أن العصف الورق الذي لا يؤكل والريحان هو الحب المأكول، قاله
الكلبي.
{ فَبِأَيِّ ءَالآءِ رَبِّكُمْا تُكّذِّبَانِ } في الآلاء قولان:
أحدهما: أنها النعم، وتقديره فبأي نعم ربكما تكذبان، قاله ابن عباس، ومنه
قول طرفة:
كامل يجمع الآلاء الفتى بيديه سيد السادات خصم
الثاني: أنها القدرة، وتقدير الكلام فبأي قدرة ربكما تكذبان، قاله ابن زيد،
والكلبي.
وفي قوله ربكما إشارة إلى الثقلين الإنس والجن في قول الجميع.
وقد روى محمد بن المنكدر عن جابر قال: قرأ علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم سورة
الرحمن حتى ختمها ثم قال: "مِا لِي أَرَاكُم سُكُوتاً؟! الجِنُّ أَحْسَنُ مِنكُم رَداً، كُنتُ
كُلَّمَا قَرأَتُ عَلَيهِم الأَيةَ { فَبَأَيِّ ءَالآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } قَالُوا: وَلاَ بِشَيءٍ مِن نِّعَمِكَ رَبَّنَا
نُكّذِّبُ فَلَكَ الْحَمْدُ" .
وتكرارها في هذه االسورة لتقرير النعم التي عددها، فقررهم عند كل نعمة
منها، كما تقول للرجل أما أحسنت إليك حين وهبت إليك مالاً؟ أما أحسنت إليك
حين بنيت لك داراً، ومنه قول مهلهل بن ربيعة يرثي أخاه كليباً:
على أن ليس عدلاً من كليب إذا ما ضيم جيران المجير
على أن ليس عدلاً من كليب إذا خرجت مخبأة الخدور