التفاسير

< >
عرض

إِذَا وَقَعَتِ ٱلْوَاقِعَةُ
١
لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ
٢
خَافِضَةٌ رَّافِعَةٌ
٣
إِذَا رُجَّتِ ٱلأَرْضُ رَجّاً
٤
وَبُسَّتِ ٱلْجِبَالُ بَسّاً
٥
فَكَانَتْ هَبَآءً مُّنبَثّاً
٦
وَكُنتُمْ أَزْوَاجاً ثَلاَثَةً
٧
فَأَصْحَابُ ٱلْمَيْمَنَةِ مَآ أَصْحَابُ ٱلْمَيْمَنَةِ
٨
وَأَصْحَابُ ٱلْمَشْأَمَةِ مَآ أَصْحَابُ ٱلْمَشْأَمَةِ
٩
وَٱلسَّابِقُونَ ٱلسَّابِقُونَ
١٠
أُوْلَـٰئِكَ ٱلْمُقَرَّبُونَ
١١
فِي جَنَّاتِ ٱلنَّعِيمِ
١٢
-الواقعة

النكت والعيون

قوله تعالى { إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ } فيها ثلاثة أقاويل:
أحدها: الصيحة، قاله الضحاك.
الثاني: الساعة وقعت بحق فلم تكذب، قاله السدي.
الثالث: أنها القيامة، قاله ابن عباس، والحسن.
وسميت الواقعة لكثرة ما يقع فيها من الشدائد.
{ لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذَِبَةٌ } فيها أربعة أوجه:
أحدها: ليس لها مردود، قاله ابن عباس.
الثاني: لا رجعة فيها ولا مشورة، قاله قتادة.
الثالث: ليس لها مكذب من مؤمن ولا من كافر، قاله ابن كامل.
الرابع: ليس الخبر عن وقوعها كذباً.
{ خَافِضَةٌ رَّافِعَةٌ } فيه ثلاثة أقاويل:
أحدها: تخفض رجالاً كانوا في الدنيا مرتفعين، وترفع رجالاً كانوا في الدنيا مخفوضين، قاله محمد بن كعب.
الثاني: خفضت أعداء الله في النار، ورفعت أولياء الله في الجنة، قاله عمر بن الخطاب.
الثالث: خفضت الصوت فأسمعت الأدنى، ورفعت فأسمعت الأقصى،قاله عكرمة.
ويحتمل رابعاً: أنها خفضت بالنفخة الأولى من أماتت، ورفعت بالنفخة الثانية من أحيت.
{ إِذَا رُجَّتِ الأَرْضُ رَجّاً } فيه قولان:
أحدهما: رجفت وزلزلت، قاله ابن عباس، قاله رؤبة بن العجاج:

أليس يوم سمي الخروجا أعظم يوم رجه رجوجاً

يوماً يرى مرضعة خلوجاً

الثاني: أنها ترج بما فيها كما يرج الغربال بما فيه، قاله الربيع بن أنس فيكون تأويلها على القول الأول أنها ترج بإماتة ما على ظهرها من الأحياء، وتأويلها على القول الثاني أنها ترج لإخراج من في بطنها من الموتى.
{ وَبُسَّتِ الْجِبَالَ بَسّاً } فيه خمسة أقاويل:
أحدها: سالت سيلاً، قاله مجاهد.
الثاني: هدت هداً، قاله عكرمة،
الثالث: سيرت سيراً، قاله محمد بن كعب، ومنه قول الأغلب العجلي:

نحن بسسنا بأثر أطاراً أضاء خمساً ثمت سارا

الرابع: قطعت قطعاً، قاله الحسن..
الخامس: إنها بست كما يبس السويق أي بلت، البسيسة هي الدقيق يلت ويتخذ زاداً، قال لص من غطفان:

لا تخبزا خبزاً وبسا بسا ولا تطيلا بمناخ حبسا

{ فَكَانَتْ هَبَآءً مُّنبَثّاً } فيه أربعة أقاويل:
أحدها: أنه رهج الغبار يسطع ثم يذهب، فجعل الله أعمالهم كذلك، قاله علي.
الثاني: أنها شعاع الشمس الذي من الكوة، قاله مجاهد.
الثالث: أنه الهباء الذي يطير من النار إذا اضطربت، فإذا وقع لم يكن شيئاً، قاله ابن عباس.
الرابع: أنه ما يبس من ورق الشجر تذروه الريح، قاله قتادة.
وفي المنبث ثلاثة أوجه:
أحدها: المتفرق، قاله السدي.
الثاني: المنتشر.
الثالث: المنثور.
{ وَكُنتُمْ أَزْوَاجاً ثَلاَثَةً } يعني أصنافاً ثلاثة، قال عمر بن الخطاب: اثنان في الجنة وواحد في النار.
وفيهما وجهان:
أحدهما: ما قاله ابن عباس أنها التي في سورة الملائكة: { ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا }.
الثاني: ما رواه النعمان بن بشير أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"وكنتم أزوجاً ثلاثة" الآية.
ويحتمل جعلهم أزواجاً وجهين:
أحدهما: أن ذلك الصنف منهم مستكثر ومقصر، فصار زوجاً.
الثاني: أن في كل صنف منهم رجالاً ونساء، فكان زوجاً.
{ فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَآ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ } فيهم خمسة تأويلات:
أحدها: أن أصحاب الميمنة الذين أخذوا من شق آدم الأيمن، وأصحاب المشأمة الذين أخذوا من شق آدم الأيسر، قاله زيد بن أسلم.
الثاني: أن أصحاب الميمنة من أوتي كتابه بيمينه، وأصحاب المشأمة من أوتي كتابه بيساره، قاله محمد بن كعب.
الثالث: أن أصحاب الميمنة هم أهل الحسنات، وأصحاب المشأمة هم أهل السيئات، قاله ابن جريج.
الرابع: أن أصحاب الميمنة الميامين على أنفسهم، وأصحاب المشأمة المشائيم على أنفسهم، قاله الحسن.
الخامس: أن أصحاب الميمنة أهل الجنة، وأصحاب المشأمة أهل النار، قاله السدي.
وقوله: { وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَآ أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ } لتكثير ما لهم من العقاب.
{ وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُوْلِئِكَ الْمُقَرَّبُونَ } فيهم خمسة أقاويل:
أحدها: أنهم الأنبياء، قاله محمد بن كعب.
الثاني: أنهم الاسبقون إلى الإيمان من كل أمة، قاله الحسن، وقتادة.
الثالث: أنهم الذين صلوا إلى القبلتين، قاله ابن سيرين.
الرابع: هم أول الناس رواحاً إلى المساجد وأسرعهم خفوفاً في سبيل الله، قاله عثمان بن أبي سوادة.
الخامس: أنهم أربعة: منهم سابق أمة موسى وهو حزقيل مؤمن آل فرعون، وسابق أمة عيسى وهو حبيب النجار صاحب أنطاكية، وسابقان من أمة محمد صلى الله عليه وسلم وهما: أبو بكر وعمر، قاله ابن عباس.
ويحتمل سادساً: أنهم الذي أسلموا بمكة قبل هجرة النبي صلى الله عليه وسلم وبالمدينة قبل هجرته إليهم لأنهم سبقوا بالإسلام قبل زمان الرغبة والرهبة.
وفي تكرار قوله تعالى: { وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ } قولان:
أحدهما: السابقون في الدنيا إلى الإيمان، السابقون في الآخرة إلى الجنة هم المقربون، قاله الكلبي.
الثاني: يحتمل أنهم المؤمنون بالأنبياء في زمانهم، وسابقوهم بالايمان هم المقربون المقدمون منهم.