التفاسير

< >
عرض

فَلاَ أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ ٱلنُّجُومِ
٧٥
وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ
٧٦
إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ
٧٧
فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ
٧٨
لاَّ يَمَسُّهُ إِلاَّ ٱلْمُطَهَّرُونَ
٧٩
تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ ٱلْعَالَمِينَ
٨٠
أَفَبِهَـٰذَا ٱلْحَدِيثِ أَنتُمْ مُّدْهِنُونَ
٨١
وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ
٨٢
-الواقعة

النكت والعيون

{ فَلاَ أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ الْنُّجُومِ } فيه وجهان:
أحدهما: أنه إنكار أن يقسم الله بشيء من مخلوقاته، قال الضحاك: إن الله لا يقسم بشىء من خلقه ولكنه استفتاح يفتتح به كلامه.
الثاني: أنه يجوز أن يقسم الخالق بالمخلوقات تعظيماً من الخالق لما أقسم به من مخلوقاته.
فعلى هذا في قوله: { فَلاَ أُقْسِمُ } وجهان:
أحدهما: أن "لا" صلة زائدة، ومعناه أقسم.
الثاني: أن قوله: { فَلاَ } راجع إلى ما تقدم ذكره، ومعناه فلا تكذبوا ولا تجحدوا ما ذكرته من نعمة وأظهرته من حجة، ثم استأنف كلامه فقال: { أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ }.
وفيها ستة أقاويل:
أحدها: أنها مطالعها ومساقطها، قاله مجاهد.
الثاني: إنتشارها يوم القيامة وإنكدارها، قاله الحسن.
الثالث: أن مواقع النجوم السماء، قاله ابن جريج.
الرابع: أن مواقع النجوم الأنواء التي كان أهل الجاهلية إذا مطروا قالوا: مطرنا بنوء كذا، قاله الضحاك، ويكون قوله: { فلا أقسم } مستعملاً على حقيقته في نفي القسم بها.
الخامس: أنها نجوم القرآن أنزلها الله من اللوح المحفوظ من السماء العليا إلى السفرة الكرام الكاتبين في السماء الدنيا، فنجمه السفرة على جبريل عشرين ليلة، ونجمه جبريل على محمد صلى الله عليه وسلم عشرين سنة، فهو ينزله على الأحداث في أمته، قاله ابن عباس والسدي.
السادس: أن مواقع النجوم هو محكم القرآن، حكاه الفراء عن ابن مسعود.
{ وَإِنَّهُ قَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ } فيه قولان:
أحدهما: أن القرآن قسم عظيم، قاله ابن عباس.
الثاني: أن الشرك بآياته جرم عظيم، قاله ابن عباس، والضحاك.
ويحتمل ثالثاً: أن ما أقسم الله به عظيم.
{ إِنَّهُ لَقُرْءَانٌ } يعني أن هذا القرآن كريم، وفيه ثلاثة أوجه:
أحدها: كريم عند الله.
الثاني: عظيم النفع للناس.
الثالث: كريم بما فيه من كرائم الأخلاق ومعالي الأمور.
ويحتمل أيضاً رابعاً: لأنه يكرم حافظه ويعظم قارئه.
{ فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ } وفيه أربعة أقاويل:
أحدها: أنه كتاب في السماء وهو اللوح المحفوظ، قاله ابن عباس، وجابر بن زيد.
الثاني: التوراة والإنجيل فيهما ذكر القرآن وذكر من ينزل عليه، قاله عكرمة.
الثالث: أنه الزبور.
الرابع: أنه المصحف الذي في أيدينا، قاله مجاهد، وقتادة.
وفي { مَّكْنُونٍ } وجهان:
أحدهما: مصون، وهو معنى قول مجاهد.
الثاني: محفوظ عن الباطل، قاله يعقوب بن مجاهد.
ويحتمل ثالثاً: أن معانيه مكنونة فيه.
{ لاَّ يَمَسَّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ } تأويله يختلف بإختلاف الكتاب، فإن قيل: إنه كتاب في السماء ففي تأويله قولان:
أحدهما: لا يمسه في السماء إلا الملائكة المطهرون، قاله ابن عباس، وسعيد بن جبير.
الثاني: لا ينزله إلا الرسل من الملائكة إلى الرسل من الأنبياء، قاله زيد بن أسلم.
وإن قيل إنه المصحف الذي في أيدينا ففي تأويله ستة أقاويل:
أحدها: لا يمسه بيده إلا المطهرون من الشرك، قاله الكلبي.
الثاني: إلا المطهرون من الذنوب والخطايا قاله الربيع بن أنس.
الثالث: إلا المطهرون من الأحداث والأنجاس، قاله قتادة. الرابع: لا يجد طعم نفعه إلا المطهرون أي المؤمنون بالقرآن، حكاه الفراء.
الخامس: لا يمس ثوابه إلا المؤمنون، رواه معاذ عن النبي صلى الله عليه وسلم.
السادس: لا يلتمسه إلا المؤمنون، قاله ابن بحر.
{ أَفَبِهَذَا الْحَدِيثِ أَنتُم مُّدْهِنُونَ } يعني بهذا الحديث القرآن الذي لا يمسه إلا المطهرون.
وفي قوله مدهنون أربعة تأويلات:
أحدها: مكذبون، قاله ابن عباس.
الثاني: معرضون، قاله الضحاك.
الثالث: ممالئون الكفار على الكفر به، قاله مجاهد.
الرابع: منافقون في التصديق به حكاه ابن عيسى، ومنه قول الشاعر:

لبعض الغشم أبلغ في أمور تنوبك من مداهنة العدو

{ وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُم إِنَّكُم تُكَذِّبُونَ } فيه ثلاثة أقاويل:
أحدها: أنه الإستسقاء بالأنواء وهو قول العرب مطرنا بنوء كذا، قاله ابن عباس ورواه علي بن أبي طالب عن النبي صلى الله عليه وسلم.
الثاني: الاكتساب بالسحر، قاله عكرمة.
الثالث: هو أن يجعلوا شكر الله على ما رزقهم تكذيب رسله والكفر به، فيكون الرزق الشكر، وقد روي عن علي أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ: { وَتَجْعَلُونَ شُكْرَكُم أَنَّكُم تُكَذِّبُونَ }.
ويحتمل رابعاً: أنه ما يأخذه الأتباع من الرؤساء على تكذيب النبي صلى الله عليه وسلم والصد عنه.