التفاسير

< >
عرض

أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوۤاْ أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ ٱللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ ٱلْحَقِّ وَلاَ يَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ ٱلأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ
١٦
ٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ يُحْيِـي ٱلأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ ٱلآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ
١٧
-الحديد

النكت والعيون

{ أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ } وفيه ثلاثة أوجه:
أحدها: أنها نزلت في قوم موسى عليه السلام قبل أن يبعث النبي صلى الله عليه وسلم، قاله ابن حيان.
الثاني: في المنافقين آمنوا بألسنتهم وكفروا بقلوبهم، قاله الكلبي.
الثالث: أنها في المؤمنين من أمتنا، قاله ابن عباس وابن مسعود، والقاسم بن محمد.
ثم اختلف فيها على ثلاثة أقاويل:
أحدها: ما رواه أبو حازم عن عون بن عبد الله عن ابن مسعود قال: ما كان بين أن أسلمنا وبين أن عوتبنا بهذه الآية إلا أربع سنين، فجعل ينظر بعضنا إلى بعض ويقول ما أحدثنا. قال الحسن: يستبطئهم وهم أحب خلقه إليه.
الثاني: ما رواه قتادة عن ابن عباس أن الله استبطأ قلوب المهاجرين فعاتبهم على رأس ثلاثة عشرة سنة، فقال تعالى: { أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ } الآية.
الثالث: ما رواه المسعودي عن القاسم قال: مل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مرة فقالوا يا رسول الله حدثنا، فأنزل الله تعالى: { نَحنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسنَ الْقَصَصِ } ثم ملوا مرة فقالوا: حدثنا يا رسول الله، فأنزل الله { أَلَمْ يَأنِ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ }.
قال شداد بن أوس: كان يروى لنا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
"أَوَّلُ مَا يُرْفَعُ مِنَ النَّاسِ الخُشُوعُ" . ومعنى قوله: { أَلَمْ يَأْنِ } ألم يحن، قال الشاعر:

ألم يأن لي يا قلب أن اترك الجهلا وأن يحدث الشيب المبين لنا عقلا

وفي { أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُم لِذِكْر اللَّهِ } ثلاثة تأويلات:
أحدها: أن تلين قلوبهم لذكر الله.
الثاني: أن تذل قلوبهم من خشية الله.
الثالث: أن تجزع قلوبهم من خوف الله.
وفي ذكر الله ها هنا وجهان:
أحدهما: أنه القرآن، قاله مقاتل.
الثاني: أنه حقوق الله، وهو محتمل.
{ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ } فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: القرآن، قاله مقاتل.
الثاني: الحلال والحرام، قاله الكلبي.
الثالث: يحتمل أن يكون ما أنزل من البينات والهدى.
{ اعلموا أن الله يحيى الأرض بعد موتها } فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: يلين القلوب بعد قسوتها، قاله صالح المري.
الثاني: يحتمل أنه يصلح الفساد.
الثالث: أنه مثل ضربه لإحياء الموتى. روى وكيع عن أبي رزين قال: قلت يا رسول الله كيف يحيى الله الأرض بعد موتها؟ فقال:
"يَا أَبَا رُزَينَ أَمَا مَرَرْتَ بِوَادٍ مُمْحَلٍ ثُمَّ مَرَرْتَ بِهِ يَهْتَزُّ خَضْرَةً؟ قال: بلى، قَالَ كَذَلِكَ يُحْيي اللَّهُ المَوتَى" .