التفاسير

< >
عرض

وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَاماً آلِهَةً إِنِّيۤ أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ
٧٤
وَكَذَلِكَ نُرِيۤ إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ ٱلْمُوقِنِينَ
٧٥
فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ ٱلْلَّيْلُ رَأَى كَوْكَباً قَالَ هَـٰذَا رَبِّي فَلَمَّآ أَفَلَ قَالَ لاۤ أُحِبُّ ٱلآفِلِينَ
٧٦
فَلَمَّآ رَأَى ٱلْقَمَرَ بَازِغاً قَالَ هَـٰذَا رَبِّي فَلَمَّآ أَفَلَ قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأَكُونَنَّ مِنَ ٱلْقَوْمِ ٱلضَّالِّينَ
٧٧
فَلَماَّ رَأَى ٱلشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَـٰذَا رَبِّي هَـٰذَآ أَكْبَرُ فَلَمَّآ أَفَلَتْ قَالَ يٰقَوْمِ إِنِّي بَرِيۤءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ
٧٨
إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ حَنِيفاً وَمَآ أَنَاْ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ
٧٩
-الأنعام

النكت والعيون

قوله تعالى: { وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ ءَازَرَ... } فيه ثلاثة أقاويل:
أحدهما: أن آزر اسم أبيه، قاله الحسن، والسدي، ومحمد بن إسحاق، قال محمد: كان رجلاً من أهل كوتى قرية من سواد الكوفة.
والثاني: أن آزر اسم صنم، وكان اسم أبيه تارح، قال مجاهد.
والثالث: أنه ليس باسم، وإنما هو صفة سب بعيب، ومعناه معوج، كأنه عابه باعوجاجه عن الحق، قاله الفراء.
فإن قيل: فكيف يصح من إبراهيم - وهو نبي - سبَّ أباه؟
قيل: لأنه سبّه بتضييعه حق الله تعالى، وحق الوالد يسقط في تضييع حق الله.
قوله تعالى: { وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتُ السَّمَوَاتِ والأرْضِ } ذلك وذاك وذا: إشارات، إلا أن ذا لما قَرُبَ، وذلك لما بَعُد، وذاك لتفخيم شأن ما بَعُدَ.
وفي المراد بملكوت السموات والأرض خمسة أوجه:
أحدها: أنه خلق السموات والأرض، قاله ابن عباس.
والثاني: مُلْك السموات والأرض.
واختلف من قال بهذا فيه على وجهين:
أحدهما: أن الملكوت هو المُلْك بالنبطية، قاله مجاهد.
والثاني: أنه المُلْك بالعربية، يقال مُلْك وملكوت كما يقال رهبة ورهبوت، ورحمة ورحموت، والعرب تقول: رهبوت خير من رحموت، أي أن نُرْهَب خير من أن نُرْحَم، قاله الأخفش.
والثالث: معناه آيات السموات والأرض، قاله مقاتل.
والرابع: هو الشمس والقمر والنجوم، قاله الضحاك.
والخامس: أن ملكوت السماوات: القمر، والنجوم، والشمس، وملكوت الأرض: الجبال، والشجر، والبحار، قاله قتادة.
{ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ } يحتمل وجهين: أحدهما: من الموقنين لوحدانية الله تعالى وقدرته.
والثاني: من الموقنين نبوته وصحة رسالته. قوله عز وجل: { فَلمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيلُ رَءَا كَوْكَباً } قال مجاهد: ذكر لنا أنه رأى الزهرة طلعت عشاءً.
{ قَالَ هَذَا رَبِّي } ومعنى جَنَّ عليه الليل، أي ستره، ولذلك سمي البستان جَنَة لأن الشجر يسترها، والجِنُّ لاستتارهم عن العيون، والجُنُون لأنه يستر العقل، والجَنِين لأنه مستور في البطن، والمِجَنّ لأنه يستر المتترس، قال الهذلي:

وماء وردت قيل الكرى وقد جنه السدف الأدهم

وفي قوله تعالى: { هَذَا رَبِّي } خمسة أقاويل:
أحدها: أنه قال: هذا ربي في ظني، لأنه في حال تقليب واستدلال.
والثاني: أنه قال ذلك اعتقاداً أنه ربه، قاله ابن عباس.
والثالث: أنه قال ذلك في حال الطفولية والصغر، لأن أمه ولدته في مغارة حذراً عليه من نمرود، فلما خرج عنه قال هذا القول قبل قيام الحجة عليه، لأنها حال لا يصح فيها كفر ولا إيمان، ولا يجوز أن يكون قال ذلك بعد البلوغ.
والرابع: أنه لم يقل ذلك قول معتقد، وإنما قاله على وجه الإِنكار لعبادة الأصنام، فإذا كان الكوكب والشمس القمر وما لم تصنعه يد ولا عَمِلَه بشر لم تكن معبودة لزوالها، فالأصنام التي هي دونها أولى ألاّ تكون معبودة.
والخامس: أنه قال ذلك توبيخاً على وجه الإِنكار الذي يكون معه ألف الاستفهام وتقديره: أهذا ربي، كما قال الشاعر:

رفوني وقالوا يا خويلد لا ترع فقلت وأنكرت الوجه هم هم

بمعنى أهم هم؟
{ فَلَمَّا أَفَلَ } أي غاب، قال ذو الرمة:

مصابيح ليست باللواتي يقودها نجوم ولا بالآفلات الدوالك

{ قَالَ لاَ أُحِبُّ الأفِلِينَ } يعني حُبَّ رَبٍّ معبود، وإلا فلا حرج في محبتهم غير حب الرب.
{ فَلمَّا رَءَا الْقَمَرَ بَازِغاً } أي طالعاً، وكذلك بزغت الشمس أي طلعت.
فإن قيل: فَلِمَ كان أفولها دليلاً على أنه لا يجوز عبادتها وقد عبدها مع العلم بأفولها خلق من العقلاء؟ قيل لأن تغيرها بالأفول دليل على أنها مُدَبَّرة محدثة، وما كان بهذه الصفة استحال أن يكون إلهاً معبوداً.