التفاسير

< >
عرض

يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا جَآءَكُمُ ٱلْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَٱمْتَحِنُوهُنَّ ٱللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلاَ تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى ٱلْكُفَّارِ لاَ هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلاَ هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُم مَّآ أَنفَقُواْ وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَن تَنكِحُوهُنَّ إِذَآ آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلاَ تُمْسِكُواْ بِعِصَمِ ٱلْكَوَافِرِ وَاسْأَلُواْ مَآ أَنفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُواْ مَآ أَنفَقُواْ ذَلِكُمْ حُكْمُ ٱللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ
١٠
وَإِن فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِّنْ أَزْوَاجِكُمْ إِلَى ٱلْكُفَّارِ فَعَاقَبْتُمْ فَآتُواْ ٱلَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُمْ مِّثْلَ مَآ أَنفَقُواْ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِيۤ أَنتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ
١١
-الممتحنة

النكت والعيون

{ يأيها الذين ءامنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن الله أعلم بإيمانهن } لأنه يعلم بالامتحان ظاهر إيمانهن والله يعلم باطن إيمانهن، ليكون الحكم عليهن معتبراً بالظاهر وإن كان معتبراً بالظاهر والباطن.
والسبب في نزوله هذه الآية أن النبي صلى الله عليه وسلم هادن قريشاً عام الحديبة فقالت قريش على أن ترد علينا من جاءك منا، ونرد عليك من جاءنا منك، فقال على أن أرد عليكم من جاءنا منكم ولاتردوا علينا من جاءكم منا ممن اختار الكفر على الإيمان، فقعد الهدنة بينه وبينهم على هذا إلى أن جاءت منهم امرأة مسلمة وجاؤوا في طلبها، واختلف فيها على أربعة أقاويل:
أحدها: أنها أميمة بنت بشر كانت عند ثابت بن الدحداحة, ففرت منه وهو يومئذ كافر، فتزوجها سهل بن حنيف فولدت له عبد الله، قاله يزيد بن أبي حبيب.
الثاني: أنها سعيدة زوج صيفي بن الراهب مشرك من أهل مكة، قاله مقاتل.
الثالث: أنها أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط، وهذا قول كثير من أهل العلم.
الرابع: أنها سبيعة بنت الحارث الأسلمية جاءت مسلمة بعد فراغ النبي صلى الله عليه وسلم من كتاب الهدنة في الحديبية، فجاء زوجها واسمه مسافر وهو من قومها في طلبها، فقال يا محمد شرطت لنا رد النساء، وطين الكتاب لم يجف، وهذه امرأتي فارددها عليّ، حكاه الكلبي.
فلما طلب المشركون رد من أسلم من النساء منع الله من ردهن بعد امتحان إيمانهن بقوله تعالى: { فإن علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار } واختلف أهل العلم هل دخل النساء في عقد الهدنة لفظاً أو عموماً:
فقالت طائفة منهم قد كان شرط ردهن في عقد الهدنة لفظاً صريحاً، فنسخ الله ردهن من العقد ومنع منه، وأبقاه في الرجال على ما كان، وهذا يدل على أن للنبي صلى الله عليه وسلم أن يجتهد برأيه في الأحكام ولكن لا يقره الله تعالى على خطأ.
وقالت طائفة من أهل العلم: لم يشترط ردهن في العقد لفظاً وإنما أطلق العقد في رد من أسلم، فكان ظاهر العموم اشتماله عليهن مع الرجال، فبين الله خروجهن عن العموم، وفرق بينهن وبين الرجال لأمرين:
أحدهما: أنهن ذوات فروج يحرمن عليهم.
الثاني: أنهن أرأف قلوباً وأسرع تقلباً منهم.
فأما المقيمة على شركها فمردودة عليهم، وقد كانت من أرادت منهن إضرار زوجها قالت سأهاجر إلى محمد فلذلك أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بامتحانهن.
واختلف فيما كان يمتحنهن به على ثلاثة أقويل:
أحدها: ما رواه ابن عباس أنه كان يمتحنها بأن تحلف بالله أنها ما خرجت من بغض زوجها ولا رغبة من أرض إلى أرض ولا التماس دينا ولا عشقاً لرجل منا، وما خرجت إلا حباً لله ولرسوله.
والثاني: بأن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، قاله عطية العوفي.
الثالث: بما بينه الله في السورة من قوله تعالى: { يأيها النبي إذا جاءك المؤمنات } فهذا معنى قوله: { فامتحنوهن الله أعلم بإيمانهن } يعني بما في قلوبهن بعد امتحانهن.
{ فإن علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار لا هنّ حل لهم ولا هم يحلون لهن } يعني أن المؤمنات محرمات على المشركين من عبدة الأوثان، والمرتدات محرمات على المسلمين.
ثم قال تعالى: { وءاتوهم ما أنفقوا } يعني بما أنفقوا مهور من أسلم منهن إذا سأل ذلك أزواجهن، وفي دفع ذلك إلى أهلهن من غير أزواجهن قولان:
ثم قال تعالى: { ولا جناح عليكم أن تنكحوهن } يعني المؤمنات اللاتي أسلمن غير أزواج مشركين، أباح الله نكاحهن للمسلمين إذا انقضت عدتهن أو كن غير مدخول بهن.
{ إذا ءاتيتموهن أجورهن } يعني مهورهن.
{ ولا تمسكوا بعصم الكوافر } فيه وجهان:
أحدهما: أن العصمة الجمال قاله ابن قتيبة.
الثاني: العقد، قاله الكلبي.
فإذا أسلم الكافر عن وثنية لم يمسك بعصمتها ولم يقم نكاحها رغبة فيها أو في قومها، فإن الله قد حرم نكاحها عليه والمقام عليها ما لم تسلم في عدتها.
فروى موسى بن طلحة بن عبيد الله عن أبيه أنه قال: لما نزلت هذه الآية طلقت أروى بنت ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب، وطلق عمر بن الخطاب قريبة بنت أبي أمية بن المغيرة فتزوجها بعده معاوية بن سفيان في الشرك، وطلق أم كلثوم بنت أبي جرول الخزاعية أم عبد الله بن عمر فتزوجها بعده خالد ابن سعيد بن العاص في الإسلام.
{ واسألوا ما أنفقتم وليسألوا ما أنفقوا } يعني أن للمسلم إذا ارتدت زوجته إلى المشركين من ذوي العهد المذكور أن يرجع عليه بمهر زوجته كما ذكرنا وأن للمشرك أن يرجع بمهر زوجته إذا أسلمت فإن لم يكن بيننا وبينهم عهد شرط فيه الرد فلا يرجع.
ولا يجوز لمن بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأئمة أن يشرط في عقد الهدنة رد من أسلم لأن الرسول كان على وعد من الله بفتح بلادهم ودخولهم في الإسلام طوعاً وكرهاً فجاز له ما لم يجز لغيره.
{ وإن فاتكم شيء من أزواجكم إلى الكفار } الآية. والمعنى أن من فاتته زوجته بارتدادها إلى أهل العهد المذكور ولم يصل إلى مهرها منهم ثم غنمهم المسلمون ردوا عليه مهرها.
وفي المال الذي يرد منه هذا المهر ثلاثة أقاويل:
أحدها: من أموال غنائمهم لاستحقاقها عليهم، قاله ابن عباس.
الثاني: من مال الفيء، قاله الزهري.
الثالث: من صداق من أسلمن منهن عن زوج كافر، وهو مروي عن الزهري أيضاً. وفي قوله تعالى: { فعاقبتم } ثلاثة تأويلات:
أحدها: معناه غنمتم لأخذه من معاقبة الغزو، قاله مجاهد والضحاك.
الثاني: معناه فأصبتم من عاقبة من قتل أو سبي، قاله سفيان.
الثالث: عاقبتم المرتدة بالقتل فلزوجها مهرهامن غنائم المسلمين، قاله ابن بحر.
وهذا منسوخ لنسخ الشرط الذي شرطه رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم بالحديبية، وقال عطاء بل حكمها ثابت.