التفاسير

< >
عرض

تَبَارَكَ ٱلَّذِي بِيَدِهِ ٱلْمُلْكُ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
١
ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلْمَوْتَ وَٱلْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْغَفُورُ
٢
ٱلَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَٰوَٰتٍ طِبَاقاً مَّا تَرَىٰ فِي خَلْقِ ٱلرَّحْمَـٰنِ مِن تَفَاوُتٍ فَٱرْجِعِ ٱلْبَصَرَ هَلْ تَرَىٰ مِن فُطُورٍ
٣
ثُمَّ ٱرجِعِ ٱلبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ ٱلبَصَرُ خَاسِئاً وَهُوَ حَسِيرٌ
٤
وَلَقَدْ زَيَّنَّا ٱلسَّمَآءَ ٱلدُّنْيَا بِمَصَٰبِيحَ وَجَعَلْنَٰهَا رُجُوماً لِّلشَّيَٰطِينِ وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ ٱلسَّعِيرِ
٥
-الملك

النكت والعيون

قوله عز وجل: { تباركَ الذي بيدِهِ المُلْكُ } فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: أن التبارُك تفاعُل من البركة، قاله ابن عباس. وهو أبلغ من المبارك لاختصاص اللَّه بالتبارك واشتراك المخلوقين في المبارك.
الثاني: أي تبارك في الخلق بما جعل فيهم من البركة، قاله ابن عطاء.
الثالث: معناه علا وارتفع، قاله يحيى بن سلام.
وفي قوله "الذي بيده الملك" وجهان:
أحدهما: ملك السموات والأرض في الدنيا والآخرة.
الثاني: ملك النبوة التي أعزّ بها من اتبعه وأذل بها من خالفه، قاله محمد بن إسحاق.
{ وهو عَلى كُلِّ شَىْءٍ قَديرٌ } من إنعام وانتقام.
{ الذي خَلَقَ الموتَ والحياةَ } يعني الموت في الدنيا، والحياة في الآخرة.
قال قتادة: كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول:
"إن اللَّه أذل بني آدم بالموت، وجعل الدنيا دار حياة ثم دار موت، وجعل الآخرة دار جزاء ثم دار بقاء" .
الثاني: أنه خلق الموت والحياة جسمين، فخلق الموت في صورة كبش أملح، وخلق الحياة في صورة فرس [أنثى بلقاء]، وهذا مأثور حكاه الكلبي ومقاتل.
{ لِيَبْلُوكم أيُّكم أَحْسَنُ عَمَلاً } فيه خمسة تأويلات:
أحدها: أيكم أتم عقلاً، قاله قتادة.
الثاني: أيكم أزهد في الدنيا، قاله سفيان.
الثالث: أيكم أورع عن محارم اللَّه وأسرع إلى طاعة اللَّه، وهذا قول مأثور. الرابع: أيكم للموت أكثر ذِكْراً وله أحسن استعداداً ومنه أشد خوفاً وحذراً، قاله السدي.
الخامس: أيكم أعرف بعيوب نفسه.
ويحتمل سادساً: أيكم أرضى بقضائه وأصبر على بلائه.
{ الذي خَلَقَ سَبْعَ سمواتٍ طِباقاً } فيه وجهان:
أحدهما: أي متفق متشابه، مأخوذ من قولهم هذا مطابق لهذا أي شبيه له، قاله ابن بحر.
الثاني: يعني بعضهن فوق بعض، قال الحسن: وسبع أرضين بعضهن فوق بعض، بين كل سماء وأرض خلق وأمر.
{ ما تَرَة في خَلْق الرحمنِ من تفاوُتٍ } فيه أربعة أوجه:
أحدها: من اختلاَف، قاله قتادة،ومنه قول الشاعر:

متفاوتات من الأعنة قطّباً حتى وفي عشية أثقالها.

الثاني: من عيب، قاله السدي.
الثالث: من تفرق، قاله ابن عباس.
الرابع: لا يفوت بعضه بعضاً، قاله عطاء بن أبي مسلم.
قال الشاعر:

فلستُ بمُدْركٍ ما فاتَ مِنِّي بِلَهْفَ وَلاَ بِليْتَ ولا لَو أنِّي

{ فارْجِع البَصَرَ } قال قتادة: معناه فانظر إلى السماء.
{ هل تَرَى من فُطور } فيه أربعة أوجه:
أحدها: من شقوق، قاله مجاهد والضحاك.
الثاني: من خلل، قاله قتادة.
الثالث: من خروق قاله السدي.
الرابع: من وهن، قاله ابن عباس.
{ ثم ارْجع البَصَرَ كَرّتَيْنِ } أي انظر إلى السماء مرة بعد أخرى.
ويحتمل أمره بالنظر مرتين وجهين:
أحدهما: لأنه في الثانية أقوى نظراً وأحدّ بصراً.
الثاني: لأنه يرى في الثانية من سير كواكبها واختلاف بروجها ما لا يراه من الأولى فيتحقق أنه لا فطور فيها.
وتأول قوم بوجه ثالث: أنه عنى بالمرتين قلباً وبصراً.
{ ينْقَلِبْ إليك البَصَرُ خَاسئاً وهو حَسيرٌ } أي يرجع إليك البصر لأنه لا يرى فطوراً فيرتد.
وفي " خاسئاً" أربعة أوجه:
أحدها: ذليلاً، قاله ابن عباس.
الثاني: منقطعاً، قاله السدي.
الثالث: كليلاً، قاله يحيى بن سلام.
الرابع: مبعداً، قاله الأخفش مأخوذ من خسأت الكلب إذا أبعدته.
وفي " حسير" ثلاثة أوجه:
أحدها: أنه النادم، ومنه قول الشاعر:

ما أنا اليوم على شيء خلا يا ابنة القَيْنِ تَولّى بحَسيرْ

الثاني: أنه الكليل الذي قد ضعف عن إدراك مرآه، قاله ابن عباس ـ ومنه قول الشاعر:

مَنْ مدّ طرْفاً إلى ما فوق غايته ارتدَّ خَسْآنَ مِنه الطّرْفُ قد حَسِرا

والثالث: أنه المنقطع من الإعياء، قاله السدي، ومنه قول الشاعر:

والخيلُ شُعثٌ ما تزال جيادها حَسْرى تغادرُ بالطريق سخالها