التفاسير

< >
عرض

إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَآ أَصْحَابَ ٱلْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُواْ لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ
١٧
وَلاَ يَسْتَثْنُونَ
١٨
فَطَافَ عَلَيْهَا طَآئِفٌ مِّن رَّبِّكَ وَهُمْ نَآئِمُونَ
١٩
فَأَصْبَحَتْ كَٱلصَّرِيمِ
٢٠
فَتَنَادَوْاْ مُصْبِحِينَ
٢١
أَنِ ٱغْدُواْ عَلَىٰ حَرْثِكُمْ إِن كُنتُمْ صَارِمِينَ
٢٢
فَٱنطَلَقُواْ وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ
٢٣
أَن لاَّ يَدْخُلَنَّهَا ٱلْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِّسْكِينٌ
٢٤
وَغَدَوْاْ عَلَىٰ حَرْدٍ قَادِرِينَ
٢٥
فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوۤاْ إِنَّا لَضَآلُّونَ
٢٦
بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ
٢٧
قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَّكُمْ لَوْلاَ تُسَبِّحُونَ
٢٨
قَالُواْ سُبْحَانَ رَبِّنَآ إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ
٢٩
فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ يَتَلاَوَمُونَ
٣٠
قَالُواْ يٰوَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ
٣١
عَسَىٰ رَبُّنَآ أَن يُبْدِلَنَا خَيْراً مِّنْهَآ إِنَّآ إِلَىٰ رَبِّنَا رَاغِبُونَ
٣٢
كَذَلِكَ ٱلْعَذَابُ وَلَعَذَابُ ٱلآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ
٣٣
-القلم

النكت والعيون

{ إنا بَلَوناهم كما بَلَوْنا أَصْحابَ الجَنَّةِ } فيهم قولان:
أحدهما: إن الذين بلوناهم أهل مكة بلوناهم بالجوع كرتين، كما بلونا أصحاب الجنة حتى عادت رماداً.
الثاني: أنهم قريش ببدر.
حكى ابن جريج أن أبا جهل قال يوم بدر خذوهم أخذاً واربطوهم في الحبال، ولا تقتلوا منهم أحداً، فضرب اللَّه بهم عند العدو مثلاً بأصحاب الجنة.
{ إذ أَقْسموا لَيَصرِمُنّها مُصْبِحينَ } قيل إن هذه الجنة حديقة كانت باليمن بقرية يقال لها ضَروان، بينها وبين صنعاء اليمن اثنا عشر ميلاً، وفيها قولان:
أحدهما: أنها كانت لقوم من الحبشة.
الثاني: قاله قتادة أنها كانت لشيخ من بني إسرائيل له بنون، فكان يمسك منها قدر كفايته وكفاية أهله، ويتصدق بالباقي، فجعل بنوه يلومونه ويقولون: لئن ولينا لنفعلن، وهو لا يطيعهم حتى مات فورثوها، فقالوا: نحن أحوج بكثرة عيالنا من الفقراء والمساكين " فأقسموا ليصرُمنّها مصبحين" أي حلفوا أن يقطعوا ثمرها حين يصبحون.
{ ولا يَسْتَثْنونَ } فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: لا يستثنون من المساكين، قاله عكرمة.
الثاني: استثناؤهم قول سبحان ربنا، قاله أبو صالح.
الثالث: قول إن شاء اللَّه.
{ فطاف عليها طائفٌ مِن ربِّك وهم نائمونَ } فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: أمر من ربك، قاله ابن عباس.
الثاني: عذاب من ربك، قاله قتادة.
الثالث: أنه عنق من النار خرج من وادي جنتهم، قاله ابن جريج.
{ وهم نائمون } أي ليلاً وقت النوم، قال الفراء: الطائف لا يكون إلا ليلاً.
{ فأصبحت كالصَريم } فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: كالرماد الأسود، قاله ابن عباس.
الثاني: كالليل المظلم، قاله الفراء، قال الشاعر:

تطاولَ ليلُكَ الجَوْنُ البهيمُ فما ينجاب عن صبحٍ، صَريمُ

الثالث: كالمصروم الذي لم يبق فيه ثمر.
روى أسباط عن ابن مسعود أنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:
" أياكم والمعاصي، إن العبد ليذنب فيحرم به رزقاً قد كان هيىء له" ، ثم تلا: { فطاف عليها طائف من ربك... } الآيتين قد حرموا خير جنتهم بذنبهم.
{ فتنادَوْا مُصبِحينَ } أي دعا بعضعهم بعضاً عند الصبح.
{ أنِ اغْدُوا على حَرْثِكم } قال مجاهد: كان الحرث عنباً.
{ إن كنتم صارمين } أي عازمين على صرم حرثكم في هذا اليوم.
{ فانْطَلَقُوا وهم يتخافتونَ } فيه أربعة أوجه:
أحدها: يتكلمون، قاله عكرمة.
الثاني: يخفون كلامهم ويسرونه لئلا يعلم بهم أحد، قاله عطاء وقتادة.
الثالث: يخفون أنفسهم من الناس حتى لا يروهم.
الرابع: لا يتشاورون بينهم.
{ أن لا يدخُلَنّها اليومَ عليكم مِسكين } قاله يحيى بن سلام.
{ وَغَدَوْا على حَرْدٍ قادرين } فيه تسعة أوجه:
أحدها: على غيظ، قاله عكرمة.
الثاني: على جَدٍّ، قاله مجاهد.
الثالث: على منع، قاله أبو عبيدة.
الرابع: على قصد، ومنه قول الشاعر:

أقْبَلَ سيلٌ جاء من عندِ اللّه يحْرِدُ حَرْدَ الجَنّة المُغِلّة

اُي يقصد قصد الجنة المغلة.
الخامس: على فقر، قاله الحسن.
السادس: على حرص، قاله سفيان.
السابع: على قدرة، قاله ابن عباس.
الثامن: على غضب، قاله السدي.
التاسع: أن القرية تسمى حرداً، قاله السدي.
وفي قوله: " قادرين" ثلاثة أوجه:
أحدها: يعني قادرين على المساكين، قاله الشعبي.
الثاني: قادرين على جنتهم عند أنفسهم، قاله قتادة.
الثالث: أن موافاتهم إلى جنتهم في الوقت الذي قدروه، قاله ابن بحر.
ويحتمل رابعاً: أن القادر المطاع بالمال والأعوان، فإذا ذهب ماله تفرق أعوانه فعُصيَ وعجز.
{ فلمّا رأوْها قالوا إنا لَضالُّون } أي أنهم لما رأوا أرض الجنة لا ثمرة فيها ولا شجر قالوا إنا ضالون الطريق وأخطأنا مكان جنتنا، ثم استرجعوا فقالوا:
{ بل نحن محرومون } أي حُرمنا خير جنتنا، قال قتادة: معناه جوزينا فحُرمنا.
{ قال أَوْسَطُهم } فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: يعني أعدلهم، قاله ابن عباس.
الثاني: خيرهم، قاله قتادة.
الثالث: أعقلهم، قاله ابن بحر.
{ أَلَمْ أقُل لكم لولا تُسَبَّحونَ } فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: لولا تستثنون عند قولهم " ليصرمنها مصبحين"، قاله ابن جريج.
الثاني: أن التسبيح هو الاستثناء، لأن المراد بالاستثناء ذكر اللَّه، وهو موجود من التسبيح.
الثالث: أن تذكروا نعمة اللَّه عليكم فتؤدوا حقه من أموالكم.