التفاسير

< >
عرض

قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ ٱسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ ٱلْجِنِّ فَقَالُوۤاْ إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً
١
يَهْدِيۤ إِلَى ٱلرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَن نُّشرِكَ بِرَبِّنَآ أَحَداً
٢
وَأَنَّهُ تَعَالَىٰ جَدُّ رَبِّنَا مَا ٱتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلاَ وَلَداً
٣
وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى ٱللَّهِ شَطَطاً
٤
وَأَنَّا ظَنَنَّآ أَن لَّن تَقُولَ ٱلإِنسُ وَٱلْجِنُّ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً
٥
وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ ٱلإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ ٱلْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقاً
٦
وَأَنَّهُمْ ظَنُّواْ كَمَا ظَنَنتُمْ أَن لَّن يَبْعَثَ ٱللَّهُ أَحَداً
٧
-الجن

النكت والعيون

قوله تعالى { قل أُوحِيَ إليَّ أنّه إسْتَمَعَ نَفَرٌ مِن الجنَّ } اختلف أهل التفسير في سبب حضور النفر من الجن إلى رسوله اللَّه صلى الله عليه وسلم لسماع القرآن على قولين:
أحدهما: أن الله تعالى صرفهم إليه بقوله:
{ { وإذا صَرَفْنا إليك نفراً من الجن } [الأحقاف: 29]، قاله ابن مسعود والضحاك وطائفة.
الثاني: أنه كان للجن مقاعد في السماء الدنيا يستمعون منها ما يحدث فيها من أمور الدنيا، فلما بعث اللًّه رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم حرست السماء الدنيا من الجن ورجموا بالشهب، قال السدي: ولم تكن السماء تحرس إلا أن يكون في الأرض نبي أو أثر له ظاهر، قال: فلما رأى أهل الطائف اختلاف الشهب في السماء قالوا: هلك أهل السماء فجعلوا يعتقون أرقاءهم ويسيبون مواشيهم، فقال لهم عبد يا ليل بن عمرو: ويحكم أمسكوا عن أموالكم وانظروا إلى معالم النجوم، فإن رأيتموها مستقرة في أمكنتها لم يهلك أهل السماء، وإنما هذا من أجل ابن أبي كبشة يعني محمداً فلما رأوها مستقرة كفّواً.
وفزعت الجن والشياطين، ففي رواية السدي أنهم أتوا إبليس فأخبروه بما كان من أمرهم، فقال: ائتوني من كل أرض بقبضة من تراب أشمها فأتوها فشمها فقال: صاحبكم بمكة فبعث نفراً من الجن..
وفي رواية ابن عباس: أنهم رجعوا إلى قومهم فقالوا: ما حال بيننا وبين السماء إلا أمر حدث في الأرض، فاضربوا مشارق الأرض ومغاربها، ففعلوا حتى أتوا تهامة، فوجدوا محمداً صلى الله عليه وسلم يقرأ. ثم اختلفوا لاختلافهم في السبب، هل شاهد رسول الله صلى الله عليه وسلم الجن أم لا؟
فمن قال إنهم صرفوا إليه قال إنه رآهم وقرأ عليهم ودعاهم، روى ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال
: " قد أمرت أن أتلو القرآن على الجن فمن يذهب معي؟ فسكتوا، ثم الثانية فسكتوا، ثم الثالثة، فقال ابن مسعود أنا أذهب معك، فانطلق حتى جاء الحجون عند شعب أبي دُب، فخط عليَّ خطاً ثم قال: لا تجاوزه، ثم مضى إلى الحجون فانحدروا عليه أمثال الحجل حتى غشوة فلم أره" ، قال عكرمة: وكانوا اثني عشر ألفاً من جزيرة الموصل.
ومن قال إنهم صرفوا في مشارق الأرض ومغاربها لاستعلام ما حدث فيها، قال إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرها.
روى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: ما قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم علىالجن ولا رآهم، وإنما انطلق في نفر من أصحابه إلى سوق عكاظ، فأتوه وهو بنخلة عامداً، إلى سوق عكاظ وهو يصلي بأصحابه صلاة الفجر فلما سمعوا القرآن قالوا: هذا الذي حال بيننا وبين خبر السماء.
قال عكرمة: السورة التي كان يقرؤها { اقْرأْ بِاسْمِ رَبِّكَ } واختلف قائلوا هذا القول في عددهم، فروى عاصم عن زر بن حبيش أنهم كانوا تسعة، أحدهم زوبعة، أتوه في بطن نخلة.
وروى ابن جريج عن مجاهد: أنهم كانوا سبعة، ثلاثة من أهل حران، وأربعة من أهل نصيبين، وكانت أسماؤهم: حسى ومسى وماصر وشاصر والأرد وأتيان والأحقم.
وحكى جويبر عن الضحاك أنهم كانوا تسعة من أهل نصيبين قرية باليمن غير التي بالعراق، وهم سليط وشاصر وماصر وحسا ومنشا ولحقم والأرقم والأرد وأتيان، وهم الذين قالوا إنا سمعنا قرآناً عجباً، وكانوا قد أدركوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ببطن نخلة في صلاة الصبح فصلّوا معه: { فلما قضى ولّوْا إلى قومهم منذرين قالوا يا قومنا أجيبوا داعي اللَّه وآمِنوا به }.
وقيل إن الجن تعرف الإنس كلها فلذلك توسوس إلى كلامهم.
واختلف في أصل الجن، فروى إسماعيل عن الحسن البصري أن الجن ولد إبليس، والإنس ولد آدم، ومن هؤلاء وهؤلاء مؤمنون وكافرون وهم شركاء في الثواب والعقاب فمن كان من هؤلاء وهؤلاء مؤمناً فهو ولي اللَّه، ومن كان من هؤلاء وهؤلاء كافراً فهو شيطان.
وروى الضحاك عن ابن عباس: أن الجن هم ولد الجان وليسوا شياطين وهم يموتون، ومنهم المؤمن والكافر، والشياطين هم ولد إبليس لا يموتون إلا مع إبليس.
أصلهم، فمن زعم أنهم من الجان لا من ذرية إبليس قال يدخلون الجنة بإيمانهم، ومن قال هم من ذرية إبليس فلهم فيها قولان:
أحدهما: يدخلونها وهو قول الحسن.
الثاني: وهو رواية مجاهد، لا يدخلونها وإن صرفوا عن النار.
وفي قوله تعالى: { إنا سَمِعْنا قُرآنا عَجَباً } ثلاثة أوجه:
أحدها: عجباً في فصاحة كلامه.
الثاني: عجباً في بلاغة مواعظة.
الثالث: عجباً في عظم بركته.
{ يَهْدِي إلى الرُّشْدِ } فيه وجهان:
أحدهما: مراشد الأمور.
الثاني: إلى معرفة اللَّه.
{ وأنّه تَعالى جَدُّ ربّنا } فيه عشرة تأويلات:
أحدها: أمر ربنا، قاله السدي.
الثاني: فعل ربنا، قاله ابن عباس.
الثالث: ذكر ربنا، وهو قول مجاهد.
الرابع: غنى ربنا، قاله عكرمة.
الخامس: بلاء ربنا، قاله الحسن.
السادس: مُلك ربنا وسلطانه، قاله أبو عبيدة.
السابع: جلال ربنا وعظمته، قاله قتادة.
الثامن: نعم ربنا على خلقه، رواه الضحاك.
التاسع: تعالى جد ربنا أي تعالى ربُّنا، قاله سعيد بن جبير.
العاشر: أنهم عنوا بذلك الجد الذي هو أبو الأب، ويكون هذا من قول الجن عن [جهالة].
{ وأنه كان يقولُ سَفيهُنا على اللَّهِ شَطَطاً } فيه قولان:
أحدهما: جاهلنا وهم العصاة منا، قال قتادة: عصاه سفيه الجن كما عصاه سفيه الإنس.
الثاني: أنه إبليس، قاله مجاهد وقتادة ورواه أبو بردة بن أبي موسى الأشعري عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم.
ومن قوله: " شططاً" وجهان:
أحدهما: جوراً، وهو قول أبي مالك.
الثاني: كذباً، قاله الكلبي، وأصل الشطط البعد، فعبر به عن الجور لبعده من العدل، وعن الكذب لبعده عن الصدق.
{ وأنّه كانَ رجالٌ من الإنسِ يَعُوذون برجالٍ من الجنِّ } قال ابن زيد: إنه كان الرجل في الجاهلية قبل الإسلام إذا نزل بواد قال: إني أعوذ بكبير هذا الوادي - يعني من الجن - من سفهاء قومه، فلما جاء الإسلام عاذوا بالله وتركوهم، وهو معنى قوله: " وأنه كان رجال".
وفي قوله: { فَزَادُوهم رَهقاً } ثمانية تأويلات:
أحدها: طغياناً، قاله مجاهد.
الثاني: إثماً، قاله ابن عباس وقتادة، قال الأعشى:

لا شىءَ ينفعني مِن دُون رؤيتها هل يَشْتفي عاشقٌ ما لم يُصبْ رهَقاً.

يعني إثماً.
الثالث: خوفاً، قاله أبو العالية والربيع وابن زيد.
الرابع: كفراً، قاله سعيد بن جبير.
الخامس: أذى، قاله السدي.
السادس: غيّاً، قاله مقاتل.
السابع: عظمة، قاله الكلبي.
الثامن: سفهاً، حكاه ابن عيسى.