التفاسير

< >
عرض

يٰأَيُّهَا ٱلْمُزَّمِّلُ
١
قُمِ ٱلَّيلَ إِلاَّ قَلِيلاً
٢
نِّصْفَهُ أَوِ ٱنقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً
٣
أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ ٱلْقُرْآنَ تَرْتِيلاً
٤
إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً
٥
إِنَّ نَاشِئَةَ ٱللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْأً وَأَقْوَمُ قِيلاً
٦
إِنَّ لَكَ فِي ٱلنَّهَارِ سَبْحَاً طَوِيلاً
٧
وَٱذْكُرِ ٱسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً
٨
رَّبُّ ٱلْمَشْرِقِ وَٱلْمَغْرِبِ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ فَٱتَّخِذْهُ وَكِيلاً
٩
-المزمل

النكت والعيون

قوله تعالى: { يا أيها المزمِّلُ } قال الأخفش: أصله المتزمل فأدغم التاء في الزاي، وكذا المدثر.
وفي أصل المزمل: قولان:
أحدهما: المحتمل، يقال زمل الشيء إذا حمله، ومنه الزاملة التي تحمل القماش.
الثاني: المزمل هو المتلفف، قال امرؤ القيس:

كأن ثبيراً في عرائين وبْله كبيرُ أناسٍ في بجادٍ مُزَمّلِ.

وفيه ثلاثة أقاويل:
أحدها: يا أيها المزمل بالنبوة، قاله عكرمة.
الثاني: بالقرآن، قاله ابن عباس.
الثالث: بثيابه، قاله قتادة.
قال إبراهيم: نزلت عليه وهو في قطيفة.
{ قُمِ الليلَ إلا قليلاً } يعني صلِّ الليل إلا قليلاً، وفيه وجهان:
أحدهما: إلا قليلاً من أعداد الليالي لا تقمها.
الثاني: إلا قليلاً من زمان كل ليلة لا تقمه وقد كان فرضاً عليه.
وفي فرضه على مَنْ سواه من أُمّته قولان:
أحدهما: فرض عليه دونهم لتوجه الخطاب إليه، ويشبه أن يكون قول سعيد ابن جبير.
الثاني: أنه فرض عيله وعليهم فقاموا حتى ورمت أقدامهم، قاله ابن عباس وعائشة.
وقال ابن عباس: كانوا يقومون نحو قيامه في شهر رمضان ثم نسخ فرض قيامه على الأمة، واختلف بماذا نسخ عنهم على قولين:
أحدهما: بالصلوات الخمس وهو قول عائشة.
الثاني: بآخر السورة، قاله ابن عباس.
واختلفوا من مدة فرضه إلى أن نسخ على قولين:
أحدهما: سنة، قال ابن عباس: كان بين أول المزمل وآخرها سنة.
الثاني: ستة عشر شهراً، قالته عائشة، فهذا حكم قيامه في فرضه ونسخه على الأمة.
فأما رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد كان فرضاً عليه، وفي نسخه عنه قولان:
أحدهما: المدة المفروضة على أمته في القولين الماضيين.
الثاني: أنها عشر سنين إلى أن خفف عنها بالنسخ زيادة في التكليف لتميزه بفضل الرسالة، قاله سعيد بن جبير.
قوله " قم الليلَ إلاّ قليلاً" لأن قيام جميعه على الدوام غير ممكن فاستثنى منه القليل لراحة الجسد، والقليل من الشيء ما دون النصف.
حكي عن وهب بن منبه أنه قال: القليل ما دون المعشار والسدس.
وقال الكلبي ومقاتل: القليل الثلث.
وَحدُّ الليل ما بين غروب الشمس وطلوع الفجر الثاني.
ثم قال تعالى: { نِصْفَهُ أو انقُصْ مِنْهُ قليلاً } فكان ذلك تخفيفاً إذا لم يكن زمان القيام محدوداً، فقام الناس حتى ورمت أقدامهم، فروت عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قام في الليل فقال: أيها الناس اكلفوا من الأعمال ما تطيقون، فإن اللَّه لا يمل من الثواب حتى تملوا من العمل، وخير الأعمال ما ديم عليه.
ثم نسخ ذلك بقوله تعالى: " عَلِم أنْ لن تُحْصوه فتابَ عليكم فاقْرَؤوا ما تيسّر من القرآن".
{ أوزِدْ عليه ورَتِّل القرآنَ تَرْتيلاً } فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: بيّن القرآن تبياناً، قاله ابن عباس وزيد بن أسلم.
الثاني: فسّرْه تفسيراً، قاله ابن جبير.
الثالث: أن تقرأه على نظمه وتواليه، لا تغير لفظاً ولا تقدم مؤخراً مأخوذ من ترتيل الأسنان إذا استوى نبتها وحسن انتظامها، قاله ابن بحر.
{ إنّا سنُلْقي عليكَ قوْلاً ثَقيلاً } وهو القرآن، وفي كونه ثقيلاً أربعة تأويلات:
أحدها: أنه إذا أوحي إليه كان ثقيلاً عليه لا يقدر على الحركة حتى ينجلي عنه، وهذا قول عائشة وعروة بن الزبير.
الثاني: العمل به ثقيل في فروضه وأحكامه وحلاله وحرامه، قاله الحسن وقتادة.
الثالث: أنه في المزان يوم القيامة ثقيل، قاله ابن زبير.
الرابع: ثقل بمعنى كريم، مأخوذ من قولهم: فلان ثقيل عليّ أي كريم عليّ، قاله السدي.
ويحتمل تأويلً خامساً: أن يكون ثقيل بمعنى ثابت، لثبوت الثقيل في محله، ويكون معناه أنه ثابت الإعجاز لا يزول إعجازه أبداً.
{ إنّ ناشئةَ الليل هي أَشدُّ وطْئاً } فيها ستة تأويلات:
أحدها: أنه قيام الليل، بالحبشية، قاله ابن مسعود.
الثاني: أنه ما بين المغرب والعشاء، قاله أنس بن مالك.
الثالث: ما بعد العشاء الآخرة، قاله الحسن ومجاهد.
الرابع: أنها ساعات الليل لأنها تنشأ ساعة بعد ساعة، قاله ابن قتيبة.
الخامس: أنه بدء الليل، قاله عطاء وعكرمة.
السادس: أن الليل كل ناشئة، قال ابن عباس: لأنه ينشأ بعد النهار.
وفي " أشد وطْئاً" خمسة تأويلات:
أحدها: مواطأة قلبك وسمعك وبصرك، قاله مجاهد.
الثاني: مواطأة قولك لعملك، وهو مأثور.
الثالث: مواطأة عملك لفراغك، وهو محتمل.
الرابع: أشد نشاطاً، قاله الكلبي، لأنه زمان راحتك.
الخامس: قاله عبادة: أشد وأثبت وأحفظ للقراءة.
وفي قوله: { وأَقْوَمُ قِيلاً } ثلاثة تأويلات:
أحدها: معناه أبلغ في الخير وأمعن في العدل، قاله الحسن.
الثاني: أصوب للقراءة وأثبت للقول لأنه زمان التفهم، قاله مجاهد وقتادة، وقرأ أنس بن مالك " وأهيأ قيلاً" وقال أهيأ وأقوم سواء.
الثالث: أنه أعجل إجابة للدعاء، حكاه ابن شجرة.
{ إن لك في النهارِ سَبْحاً طويلاً } فيه ثلاثة تأويلات:
أحدها: يعني فراغاً طوياً لنَومك وراحتك، فاجعل ناشئة الليل لعبادتك، قاله ابن عباس وعطاء.
الثاني: دعاء كثيراً، قاله السدي وابن زيد والسبح بكلامهم هو الذهاب، ومنه سبح السابح في الماء.
{ واذكر اسم ربك } فيه وجهان:
أحدهما: اقصد بعملك وجه ربك.
الثاني: أنه إذا أردت القراءة فابدأ بسم الله الرحمن الرحيم، قاله ابن بحر. ويحتمل وجهاً ثالثاً: واذكر اسم ربك في وعده ووعيده لتتوفر على طاعته وتعدل عن معصيته.
{ وتَبتَّلْ إليه تَبْتِيلاً } فيه أربعة تأويلات:
أحدها: أخلص إليه إخلاصاً، قاله مجاهد.
الثاني: تعبد له تعبداً، قاله ابن زيد.
الثالث: انقطع إليه انقطاعاً، قاله أبو جعفر الطبري، ومنه مريم البتول لانقطاعها إلى الله تعالى، وجاء في الحديث النهي عن التبتل الذي هو الانقطاع عن الناس والجماعات.
الرابع: وتضرّع إليه تضرّعاً.
{ ربُّ المشْرِقِ والمْغرِبِ } فيه قولان:
أحدهما: رب العالَمِ بما فيه لأنهم بين المشرق والمغرب، قاله ابن بحر.
الثاني: يعني مشرق الشمس ومغربها.
وفي المراد بالمشرق والمغرب ثلاثة أوجه:
أحدها: أنه استواء الليل والنهار، قاله وهب بن منبه.
الثاني: أنه دجنة الليل ووجه النهار، قاله عكرمة.
الثالث: أنه أول النهار وآخره، لأن نصف النهار أوله فأضيف إلى المشرق، ونصفه آخره فأضيف إلى المغرب.
{ فاتّخِذْهُ وَكيلاً } فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: مُعيناً.
الثاني: كفيلاً.
الثالث: حافظاً.