{ مُتّكِئينَ فيها على الأرائِك } وفيها مع ما قدّمناه من تفسيرها قولان:
أحدهما: أنها الأسرّة، قاله ابن عباس.
الثاني: أنها كل ما يتكأ عليه، قاله الزجاج.
{ لا يَرَوْنَ فيها شمْساً ولا زَمْهَريراً } أما المراد بالشمس ففيه وجهان:
أحدهما: أنهم في ضياء مستديم لا يحتاجون فيه إلى ضياء، فيكون عدم
الشمس مبالغة في وصف الضياء.
الثاني: أنهم لا يرون فيها شمساً فيتأذون بحرها، فيكون عدمها نفياً لأذاها.
وفي الزمهرير ثلاثة أوجه:
أحدها: أنه البرد الشديد، قال عكرمة لأنهم لا يرون في الجنة حراً ولا برداً.
الثاني: أنه لون في العذاب، قاله ابن مسعود.
الثالث: أنه من هذا الموضع القمر، قاله ثعلب وأنشد:
وليلةٍ ظلامُها قد اعتكَرْ قطْعتها والزمهريرُ ما ظَهَرْ
وروي ما زهر، ومعناه أنهم في ضياء مستديم لا ليل فيه ولا نهار، لأن ضوء
النهار بالشمس، وضوء الليل بالقمر.
{ ... وذُلِّلّتْ قُطوفُها تذْليلاً } فيه وجهان:
أحدهما: أنه لا يرد أيديهم عنها شوك ولا بعد، قاله قتادة.
الثاني: أنه إذا قام ارتفعت، وإذا قعد نزلت، قاله مجاهد.
ويحتمل ثالثاً: أن يكون تذليل قطوفها أن تبرز لهم من أكمامها وتخلص من
نواها.
{ ... وأَكْوابٍ كانت قَواريرَا * قواريرَا من فِضّةٍ } أما الأكواب فقد ذكرنا
ما هي من جملة الأواني.
وفي قوله تعالى: " قوارير من فضة" وجهان:
أحدهما: أنها من فضة من صفاء القوارير، قاله الشعبي.
الثاني: أنها من قوارير في بياض الفضة، قاله أبو صالح.
وقال ابن عباس: قوارير كل أرض من تربتها، وأرض الجنة الفضة فلذلك
كانت قواريرها فضة.
{ قَدَّرُوها تقْديراً } فيه خمسة أقاويل:
أحدها: أنهم قدروها في أنفسهم فجاءت على ما قدروها، قاله الحسن.
الثاني: على قدر ملء الكف، قاله الضحاك.
الثالث: على مقدار لا تزيد فتفيض، ولا تنقص فتغيض، قاله مجاهد.
الرابع: على قدر ريهم وكفايتهم، لأنه ألذ وأشهى، قاله الكلبي.
الخامس: قدرت لهم وقدروا لها سواء، قاله الشعبي.
{ ويُسْقَونَ فيها كأساً كان مِزاجُها زَنْجبيلاً } فيه ثلاثة أقاويل:
أحدها: تمزج بالزنجبيل، وهو مما تستطيبه العرب لأنه يحذو اللسان ويهضم
المأكول، قاله السدي وابن أبي نجيح.
الثاني: أن الزنجبيل اسم للعين التي فيها مزاج شراب الأبرار، قاله مجاهد.
الثالث: أن الزنجبيل طعم من طعوم الخمر يعقب الشرب منه لذة، حكاه ابن
شجرة، ومنه قول الشاعر:
وكأن طعْمَ الزنجبيلِ به اذْ ذُقْتُه وسُلافَةَ الخمْرِ
{ عْيناً فيها تُسَمّى سَلْسَبيلاً } فيه ستة أقاويل:
أحدها: أنه اسم لها، قاله عكرمة.
الثاني: معناه سلْ سبيلاً إليها، قاله علّي رضي الله عنه.
الثالث: يعني سلسلة السبيل، قاله مجاهد.
الرابع: سلسلة يصرفونها حيث شاءوا، قاله قتادة.
الخامس: أنها تنسلّ في حلوقهم انسلالاً، قاله ابن عباس.
السادس: أنها الحديدة الجري، قاله مجاهد أيضاً، ومنه قول حسان بن
ثابت:
يَسْقُون من وَرَدَ البريصَ عليهم كأساً تُصَفِّقُ بالرحيق السِّلْسَل
وقال مقاتل: إنما سميت السلسبيل لأنها تنسل عليهم في مجالسهم وغرفهم
وطرقهم.
{ ويَطوفُ عليهم وِلْدانٌ مُخَلّدونَ } فيه ثلاثة أقاويل:
أحدها: مخلدون لا يموتون، قاله قتادة.
الثاني: صغار لا يكبرون وشبابٌ لا يهرمون، قاله الضحاك والحسن.
الثالث: أي مُسَوَّرون، قاله ابن عباس، قال الشاعر:
ومُخَلّداتٍ باللُّجَيْنِ كأنما أعْجازُهنّ أقاوزُ الكُثْبانِ.
{ إذا رَأَيْتَهم حَسِبْتَهم لُؤْلُؤاً مَنْثوراً } فيه قولان:
أحدها: أنهم مشبهون باللؤلؤ المنثور لكثرتهم، قاله قتادة.
الثاني: لصفاء ألوانهم وحسن منظرهم وهو معنى قول سفيان.
{ وإذا رأَيْتَ ثمَّ } يعني الجنة.
{ رأَيْتَ نَعيماً } فيه وجهان:
أحدهما: يريد كثرة النعمة.
الثاني: كثرة النعيم.
{ ومُلْكاً كبيراً } فيه وجهان:
أحدهما: لسعته وكثرته.
الثاني: لاستئذان الملائكة عليهم وتحيتهم بالسلام.
ويحتمل ثالثاً: أنهم لا يريدون شيئاً إلا قدروا عليه.
{ وسقاهم ربُّهم شَراباً طَهوراً } فيه ثلاثة أقاويل:
أحدها: أنه وصفه بذلك لأنهم لا يبولون منه ولا يُحْدِثون عنه، قاله عطية، قال
إبراهيم التميمي: هو عَرَق يفيض من أعضائهم مثل ريح المسك.
الثاني: لأن خمر الجنة طاهرة، وخمر الدنيا نجسة، فلذلك وصفه الله تعالى
بالطهور، قاله ابن شجرة.
الثالث: أن أنهار الجنة ليس فيها نجس كما يكون في أنهار الدنيا وأرضها حكاه
ابن عيسى.