التفاسير

< >
عرض

وَٱلنَّازِعَاتِ غَرْقاً
١
وَٱلنَّاشِطَاتِ نَشْطاً
٢
وَٱلسَّابِحَاتِ سَبْحاً
٣
فَٱلسَّابِقَاتِ سَبْقاً
٤
فَٱلْمُدَبِّرَاتِ أَمْراً
٥
يَوْمَ تَرْجُفُ ٱلرَّاجِفَةُ
٦
تَتْبَعُهَا ٱلرَّادِفَةُ
٧
قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ
٨
أَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌ
٩
يَقُولُونَ أَإِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي ٱلْحَافِرَةِ
١٠
أَإِذَا كُنَّا عِظَاماً نَّخِرَةً
١١
قَالُواْ تِلْكَ إِذاً كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ
١٢
فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ
١٣
فَإِذَا هُم بِٱلسَّاهِرَةِ
١٤
-النازعات

النكت والعيون

قوله تعالى { والنَّأزِعاتِ غَرْقاً } فيه ستة أقاويل:
أحدها: هي الملائكة تنزع نفوس بني آدم، قاله ابن مسعود ومسروق.
الثاني: هو الموت ينزع النفوس، قاله مجاهد.
الثالث: هي النفوس حين تنزع، قاله السدي.
الرابع: هي النجوم تنزع من أفق إلى أفق، ومن المشرق إلى المغرب، قاله الحسن وقتادة.
والخامس: هي القسيّ تنزع بالسهم، قاله عطاء.
السادس: هي الوحش تنزع من الكلأ وتنفر، حكاه يحيى بن سلام، ومعنى " غرقاً" أي إبعاداً في النزع.
{ والناشِطات نَشْطاً } فيه ستة تأويلات:
أحدها: هي الملائكة تنشط أرواح المؤمنين بسرعة كنشط العقال، قاله ابن عباس.
الثاني: النجوم التي تنشط من مطالعها إلى مغاربها، قاله قتادة.
الثالث: هو الموت ينشط نفس الإنسان، قاله مجاهد.
الرابع: هي النفس حيث نشطت بالموت، قاله السدي.
الخامس: هي الأوهاق، قاله عطاء.
السادس: هي الوحش تنشط من بلد إلى بلد، كما أن الهموم تنشط الإنسان من بلد إلى بلد، قاله أبو عبيدة، وانشد قول همام بن قحافة:

أمْسَتْ همومي تنشط المناشِطا الشامَ بي طَوْراً وطَوْراً واسطاً.

{ والسّابحاتِ سَبْحاً } فيه خمسة أوجه:
أحدها: هي الملائكة سبحوا إلى طاعة الله من بني آدم، قاله ابن مسعود والحسن.
الثاني: هي النجوم تسبح في فلكها، قاله قتادة.
الثالث: هو الموت يسبح في نفس ابن آدم، قاله مجاهد.
الرابع: هي السفن تسبح في الماء، قاله عطاء.
الخامس: هي الخيل، حكاه ابن شجرة، كما قال عنترة:

والخيلُ تعْلم حين تسـ ـبَحُ في حياضِ المْوتِ سَبْحاً

ويحتمل سادساً: أن تكون السابحات الخوض في أهوال القيامة.
{ فالسّابقاتِ سَبْقاً } فيه خمسة تأويلات:
أحدها هي الملائكة تسبق الشياطين بالوحي إلى الأنبياء، قاله عليّ رضي الله عنه ومسروق.
وقال الحسن: سبقت إلى الايمان.
الثاني: هي النجوم يسبق بعضها بعضاً، قاله قتادة.
الثالث: هوالموت يسبق إلى النفس، قاله مجاهد.
الرابع: هي النفس تسبق بالخروج عند الموت، قاله الربيع.
الخامس: هي الخيل، قاله عطاء.
ويحتمل سادساً: أن تكون السابقات ما سبق من الأرواح قبل الأجساد إلى جنة أو نار.
{ فالمُدَبِّرات أمْراً } فيهم قولان:
أحدهما: هي الملائكة، قاله الجمهور، فعلى هذا في تدبيرها بالأمر وجهان:
أحدهما: تدبير ما أمرت به وأرسلت فيه.
الثاني: تدبير ما وكلت فيه من الرياح والأمطار.
الثاني: هي الكواكب السبعة، حكاه خالد بن معدان عن معاذ بن جبل؛ وعلى هذا في تدبيرها للأمر وجهان.
أحدهما: تدبير طلوعها وأفولها.
الثاني: تدبير ما قضاه الله فيها من تقلب الأحوال.
ومن أول السورة إلى هذا الموضع قسم أقسم الله به، وفيه وجهان:
أحدهما: أن ذكرها بخالقها.
الثاني: أنه أقسم بها وإن كانت مخلوقة لا يجوز لمخلوق أن يقسم بها، لأن لله تعالى أن يقسم بما شاء من خلقه.
وجواب ما عقد له القسم ثلاثة أقاويل:
أحدها: أنه مضمر محذوف وتقديره لو أظْهر: لتُبْعَثُن ثم لُتحاسبُن، فاستغنى بفحوى الكلام وفهم السامع عن إظهاره، قاله الفراء.
الثاني: أنه مظهر، وهو قوله تعالى: { إن في ذلك لعبرةً لمن يخشى } قاله مقاتل.
الثالث: هو قوله تعالى:
{ يومَ ترْجفُ الراجفةُ * تَتْبعُها الرادِفةُ } وفيهما ثلاثة أقاويل:
أحدها: أن الراجفة القيامة، والرادفة البعث، قاله ابن عباس.
الثاني: أن الراجفة النفخة الأولى تميت الأحياء، والرادفة: النفخة الثانية تحيي الموتى، قاله الحسن وقتادة.
وقال قتادة: ذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"بينهما أربعون، ما زادهم على ذلك ولا سألوه، وكانوا يرون أنها أربعون سنة" .
وقال عكرمة: الأولى من الدنيا، والثانية من الآخرة.
الثالث: أن الراجفة الزلزلة التي ترجف الأرض والجبال والرادفة إذا دكّتا دكة واحدة، قاله مجاهد.
ويحتمل رابعاً: أن الراجفة أشراط الساعة، والرادفة: قيامها.
{ قلوبٌ يومئذٍ واجِفَةٌ } فيه وجهان:
أحدهما: خائفة، قاله ابن عباس.
الثاني: طائرة عن أماكنها، قاله الضحاك.
{ أَبْصارُها خاشِعَة } فيه وجهان:
أحدهما: ذليلة، قاله قتادة.
الثاني: خاضعة، قاله الضحاك.
{ يقولون أئنا لَمْردودُونَ في الحافِرةِ } فيه أربعة تأويلات:
أحدها: أن الحافرة الحياة بعد الموت، قاله ابن عباس والسدي وعطية.
الثاني: أنها الأرض المحفورة،قاله ابن عيسى.
الثالث: أنها النار، قاله ابن زيد.
الرابع: أنها الرجوع إلى الحالة الأولى تَكذيباً بالبعث، من قولهم رجع فلان على قومه إذا رجع من حيث جاء، قاله قتادة، قال الشاعر:

أحافرة على صَلَعٍ وشيْبٍ معاذَ اللَّه من جَهْلٍ وطَيْشِ

{ أَئِذا كْنَا عِظاماً نَخِرةً } فيه ثلاثة أقاويل:
أحدها: بالية، قاله السدي.
الثاني: عفنة، قاله ابن شجرة.
الثالث: خالية مجوفة تدخلها الرياح فتنخر، أي تصوّت، قاله عطاء والكلبي.
ومن قرأ " ناخرة" فإن الناخرة البالية، والنخرة التي تنخر الريح فيها.
{ تلك إذاً كَرّةٌ خاسِرةٌ } فيه تأويلان:
أحدهما: باطلة لا يجيء منها شيء، كالخسران، وليست كاسبة، قاله يحيى بن سلام.
الثاني: معناه لئن رجعنا أحياء بعد الموت لنخسرنّ بالنار، قاله قتادة ومحمد بن كعب.
ويحتمل ثالثاً: إذا كنا ننتقل من نعيم الدنيا إلى عذاب الآخرة فهي كرة خاسرة.
{ فإنّما هي زجْرةٌ واحدةٌ } فيه تأويلان:
أحدهما: نفخة واحدة يحيا بها الجميع فإذا هم قيام ينظرون، قاله الربيع بن أنس.
الثاني: الزجرة الغضب، وهو غضب واحد، قاله الحسن.
ويحتمل ثالثاً: أنه لأمر حتم لا رجعة فيه ولا مثنوية.
{ فَإذَا هم بالسّاهرةِ } فيه أربعة تأويلات:
أحدها: وجه الأرض، قاله ابن عباس وعكرمة ومجاهد، والعرب تسمي وجه الأرض ساهرة لأن فيها نوم الحيوان وسهره، قال أمية بن أبي الصلت:

وفيها لحْمُ ساهرةٍ وبَحرٌ وما فاهوا به لهمُ مُقيم

وقال آخر يوم ذي قار لفرسه:

أَقْدِمْ مَحاجِ إنها الأساوِره ولا يهولنّك رِجْلٌ بادِرهْ
فإنما قَصْرُكَ تُرْبُ السّاهرهْ ثم تعودُ، بَعْدها في الحافرهْ
من بَعْد ما صِرْتَ عظاماً ناخِرهْ

الثاني: أنه اسم مكان من الأرض بعينه بالشام، وهو الصقع الذي بين جبل أريحا وجبل حسّان، يمده الله تعالى كيف يشاء، قاله عثمان بن أبي العاتكة.
الثالث: أنها جبل بيت المقدس، قاله وهب بن منبه.
الرابع: أنه جهنم، قاله قتادة.
ويحتمل خامساً: أنها عرضة القيام لأنها أول مواقف الجزاء، وهم في سهر لا نوم فيه.