قوله عز وجل: { لَقَدْ جَآءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنفُسِكُمْ } فيه قراءتان:
إحداهما: من أنفسكم بفتح الفاء ويحتمل تأويلها ثلاثة أوجه:
أحدها: من أكثركم طاعة لله تعالى.
الثاني: من أفضلكم خلقاً.
الثالث: من أشرفكم نسباً.
والقراءة الثانية: بضم الفاء، وفي تأويلها أربعة أوجه:
أحدها: يعني من المؤمنين لم يصبه شيء من شرك، قاله محمد بن علي.
الثاني: يعني من نكاح لم يصبه من ولادة الجاهلية، قاله جعفر بن محمد. وقد
روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
"خَرَجْتُ مِن نِكَاحٍ وَلَمْ أَخَرُجْ مِنْ سِفَاحٍ"
الثالث: ممن تعرفونه بينكم، قاله قتادة.
الرابع: يعني من جميع العرب لأنه لم يبق بطن من بطون العرب إلا قد ولدوه،
قاله الكلبي.
{ عَزِيزٌ عَلَيهِ مَا عنِتُّمُ } فيه ثلاثة تأويلات:
أحدها: شديد عليه ما شق عليكم، قاله ابن عباس.
الثاني: شديد عليه ما ضللتم، قاله سعيد بن أبي عروبة.
الثالث: عزيز عليه عنت مؤمنكم، قاله قتادة.
{ حَرِيصٌ عَلَيكُمْ } قاله الحسن: حريص عليكم أن تؤمنوا.
{ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ } فيه وجهان:
أحدهما: بما يأمرهم به من الهداية ويؤثره لهم من الصلاح.
الثاني: بما يضعه عنهم من المشاق ويعفو عنهم من الهفوات، وهو محتمل.
قوله عز وجل { فَإِن تَوَلَّوْا } فيه وجهان:
أحدهما: عن طاعة الله، قاله الحسن.
الثاني: عنك، ذكره عليّ بن عيسى.
{ فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لاَ إِلهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيهِ تَوَكَّلْتُ } يحتمل وجهين:
أحدهما: حسبي الله معيناً عليكم.
الثاني: حسبي الله هادياً لكم.
{ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظيمِ } يحتمل وجهين:
أحدهما: لسعته.
الثاني: لجلالته.
روى يوسف بن مهران عن ابن عباس أن آخر ما أُنزل من القرآن هاتان الآيتان
{ لَقَدْ جَآءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنفُسِكُمْ } وهذه الآية. وقال أُبي بن كعب: هما أحدث
القرآن عهداً بالله وقال مقاتل: تقدم نزولهما بمكة، والله أعلم.