فذلك قوله عزَّ وجلّ: { وَلَمَّا جَهَّزَهُم بِجَهَازِهِمْ }، أي: حمَّل لكل واحد بعيراً بعدتهم، { قَالَ ٱئْتُونِى بِأَخٍ لَّكُمْ مِّنْ أَبِيكُمْ }، يعني: بنيامين، { أَلاَ تَرَوْنَ أَنِّىۤ أُوفِى ٱلْكَيْلَ }. أي: أُتمه ولا أبخس الناس شيئاً، فأزيدكم حمل بعير لأجل أخيكم، وأكرم منزلتكم وأحسن إليكم، { وَأَنَاْ خَيْرُ ٱلْمُنْزِلِينَ }، قال مجاهد: أي خير المضيفين. وكان قد أحسن ضيافتهم.
{ فَإِن لَّمْ تَأْتُونِى بِهِ فَلاَ كَيْلَ لَكُمْ عِندِى }، أي: ليس لكم عندي طعام أكيله لكم { وَلاَ تَقْرَبُونِ }، أي: لا تقربوا داري وبلادي بعد ذلك وهو جزم على النهي.
{ قَالُواْ سَنُرَٰوِدُ عَنْهُ أَبَاهُ }، أي: نطلبه ونسأله أن يرسله معنا، { وَإِنَّا لَفَـٰعِلُونَ }، ما أمرتنا به.
{ وَقَالَ لِفِتْيَانِهِ }، قرأ حمزة والكسائي وحفص: { لفتيانه } بالألف والنون، وقرأ الباقون: { لفتيته } بالتاء من غير ألف، يريد لغلمانه، وهما لغتان مثل الصبيان والصبية، { ٱجْعَلُواْ بِضَـٰعَتَهُمْ } ثمن طعامهم وكانت دراهم.
وقال الضحاك عن ابن عباس: كانت النعال والأدم.
وقيل: كانت ثمانية جرب من سويق المقل. والأول أصحْ
{ فِى رِحَالِهِمْ }، أوعيتهم، وهي جمع رحل، { لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَهَآ إِذَا ٱنْقَلَبُوۤاْ }، انصرفوا، { إِلَىٰ أَهْلِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ }.
واختلفوا في السبب الذي فعله يوسف من أجله، قيل: أراد أن يريهم كرمه في رد البضاعة وتقديم الضمان في البرّ والإِحسان، ليكون أدعى لهم إلى العود، لعلّهم يعرفونها، أي: كرامتهم علينا.
وقيل: رأى لؤماً في أخذ ثمن الطعام من أبيه وإخوته مع حاجتهم إليه، فردَّه عليهم من حيث لا يعلمون تكرُّماً.
وقال الكلبي: تخوّف أن لا يكون عند أبيه من الورق ما يرجعون به مرة أخرى.
وقيل: فعل ذلك لأنه علم أن ديانتهم تحملهم على ردّ البضاعة نفياً للغلط ولا يستحلون إمساكها.