التفاسير

< >
عرض

وَمَا مَنَعَنَآ أَن نُّرْسِلَ بِٱلآيَاتِ إِلاَّ أَن كَذَّبَ بِهَا ٱلأَوَّلُونَ وَآتَيْنَا ثَمُودَ ٱلنَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُواْ بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِٱلآيَاتِ إِلاَّ تَخْوِيفاً
٥٩
وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِٱلنَّاسِ وَمَا جَعَلْنَا ٱلرُّءْيَا ٱلَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلنَّاسِ وَٱلشَّجَرَةَ ٱلْمَلْعُونَةَ فِي ٱلقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلاَّ طُغْيَاناً كَبِيراً
٦٠
-الإسراء

معالم التنزيل

قوله عزّ وجلّ: { وَمَا مَنَعَنَآ أَن نُّرْسِلَ بِٱلأَيَـٰتِ إِلاَّ أَن كَذَّبَ بِهَا ٱلأَوَّلُونَ }، قال ابن عباس: سأل أهل مكة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجعل لهم الصفا ذهباً وأن يُنَحِّيَ الجبال عنهم فيزرعوا، فأوحى الله تعالى إلى رسوله صلى الله عليه وسلم: إن شئت أن أستأني بهم فعلتُ، وإن شئتَ أن أوتيهم ما سألوا فعلتُ، فإن لم يؤمنوا أهلكتهم كما أهلكتُ مَنْ كان قبلهم من الأمم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا بل تستأني بهم" ، فأنزل الله عزّ وجلّ:

{ وَمَا مَنَعَنَآ أَن نُّرْسِلَ بِٱلأَيَـٰتِ } التي سألها كفار قومك { إِلاَّ أَن كَذَّبَ بِهَا ٱلأَوَّلُونَ } فأهلكناهم، فإن لم يؤمن قومك بعد إرسال الآيات أهلكتهم، لأن من سنتنا في الأمم إذا سألوا الآيات، ثم لم يؤمنوا بعد إتيانها، أن نهلكهم ولا نمهلهم، وقد حكمنا بإمهال هذه الأمة في العذاب، فقال جلّ ذكره: { { بَلِ ٱلسَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَٱلسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ } [القمر: 46]، ثم قال:

{ وَءَاتَيْنَا ثَمُودَ ٱلنَّاقَةَ مُبْصِرَةً }، مضيئة بينة، { فَظَلَمُواْ بِهَا }، أي: جحدوا بها أنها من عند الله كما قال: { { بِمَا كَانُواْ بِآيَـٰتِنَا يَظْلِمُونَ } [الأعراف: 9]، أي: يجحدون. وقيل: ظلموا أنفسهم بتكذيبها يريد فعاجلناهم بالعقوبة.

{ وَمَا نُرْسِلُ بِٱلأَيَـٰتِ } أي: العبر والدلالات، { إِلاَّ تَخْوِيفًا }، للعباد ليؤمنوا.

قال قتادة: إن الله تعالى يُخوّف الناس بما شاء من آياته لعلّهم يرجعون.

قوله عزّ وجل: { وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِٱلنَّاسِ }، أي: هم في قبضته، لا يقدرون على الخروج من مشيئته، فهو حافظك ومانعك منهم، فلا تهبهم وامضِ لما أمرك الله به من تبليغ الرسالة، كما قال: { { وَٱللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ ٱلنَّاسِ } [المائدة: 67].

{ وَمَا جَعَلْنَا ٱلرُّءْيَا ٱلَّتِى أَرَيْنَـٰكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلنَّاسِ }، فالأكثرون على أن المراد منه ما رأى النبي صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج من العجائب والآيات.

قال ابن عباس: هي رؤيا عين أُريها النبي صلى الله عليه وسلم، وهو قول سعيد بن جبير، والحسن، ومسروق، وقتادة، ومجاهد، وعكرمة، وابن جريج والأكثرين. والعرب تقول: رأيت بعيني رؤية ورؤيا، فلما ذكرها رسول الله صلى الله عليه وسلم للناس أنكر بعضهم ذلك، وكذبوا فكان فتنة للناس.

وقال قوم: أسرى بروحه دون بدنه.

وقال بعضهم: كان له معراجان: معراج رؤية بالعين، ومعراج رؤيا بالقلب.

وقال قوم. أراد بهذه الرؤيا ما رأى صلى الله عليه وسلم عام الحديبية أنه دخل مكة هو وأصحابه، فجعل السير إلى مكة قبل الأجل فصدّه المشركون، فرجع إلى المدينة، وكان رجوعه في ذلك العام بعد ما أخبر أنه يدخلها فتنة لبعضهم، حتى دخلها في العام المقبل، فأنزل الله تعالى: { لَّقَدْ صَدَقَ ٱللَّهُ رَسُولَهُ ٱلرُّؤْيَا بِٱلْحَقِّ } [الفتح: 27].

{ وَٱلشَّجَرَةَ ٱلْمَلْعُونَةَ فِى ٱلقُرْءَانِ }، يعني شجرة الزقوم، مجازه: والشجرة الملعونة المذكورة في القرآن، والعرب تقول لكل طعام كريه: طعام ملعون. وقيل: معناه الملعون أكلها، ونصب الشجرة عطفاً على الرؤيا، أي: وما جعلنا الرؤيا التي أريناك والشجرة الملعونة إلا فتنة للناس، فكانت الفتنة في الرؤيا ما ذكرنا.

والفتنة في الشجرة المعلونة من وجهين؛ أحدهما: أن أبا جهل قال: إن ابن أبي كبشة يوعدكم بنار تحرق الحجارة، ثم يزعم أنه ينبت فيها شجرة، وتعلمون أن النار تحرق الشجرة.

والثاني: أن عبدالله بن الزبعري قال: إن محمداً يخوِّفنا. بالزقوم ولا نعرف الزقوم إلا الزبد والتمر، وقال أبو جهل: يا جارية تعالي فزقمينا فأتت بالتمر والزبد، فقال: يا قوم تزقموا فإن هذا ما يخوِّفكم به محمد، فوصفها الله تعالى في الصافات.

وقيل: الشجرة الملعونة هي: التي تلتوي على الشجر فتجففه، يعني الكشوث.

{ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ }، التخويف، { إِلاَّ طُغْيَانًا كَبِيرًا } أي: تمردا وعتوا عظيما.