التفاسير

< >
عرض

إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً
٣٠
أُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ ٱلأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَاباً خُضْراً مِّن سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُّتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى ٱلأَرَآئِكِ نِعْمَ ٱلثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقاً
٣١
وَٱضْرِبْ لهُمْ مَّثَلاً رَّجُلَيْنِ جَعَلْنَا لأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعاً
٣٢
-الكهف

معالم التنزيل

قوله تعالى: { إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَاتِ إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً }، فإن قيل: أين جواب قوله: { إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَاتِ }؟

قيل: جوابه قوله: { أُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِى }، وأما قوله: { إِنَّا لاَ نُضِيعُ } فكلام معترض.

وقيل: فيه إضمار، معناه: إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات فإنا لا نضيع أجرهم بل نجازيهم، ثم ذكر الجزاء فقال:

{ أُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ }، أي: إقامة، يقال: عَدَنَ فلان بالمكان إذا أقام به، سمِّيتْ عَدْنَا لخلود المؤمنين فيها، { تَجْرِى مِن تَحْتِهِمُ ٱلأَنْهَـٰرُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ }، قال سعيد بن جبير: يحلى كل واحد منهم ثلاثة أساور، واحد من ذهب، وواحد من فضة، وواحد من لؤلؤ ويواقيت، { وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِّن سُندُسٍ }، وهو ما رقَّ من الديباج، { وَإِسْتَبْرَقٍ }، وهو ما غلظ منه، ومعنى الغلظ في ثياب الجنة: إحكامه. وعن أبي عمران الجوني قال: السندس هو الديباج المنسوج بالذهب، { مُّتَّكِئِينَ فِيهَا }، في الجنان، { عَلَى ٱلأَرَآئِكِ }، وهي السُّرُر في الحِجَال، واحدتُها أَرِيْكَة، { نِعْمَ ٱلثَّوَابُ }. أي نِعْمَ الجزاء، { وَحَسُنَتْ }، الجنان { مُرْتَفَقًا } أي: مجلساً ومقراً.

{ وَٱضْرِبْ لَهُم مَّثَلاً رَّجُلَيْنِ } الآية، قيل: نزلت في أخوين من أهل مكة من بني مخزوم، أحدهما مؤمن، وهو أبو سلمة عبدالله بن عبد الأسد بن عبد ياليل وكان زوج أم سلمة قبل النبي صلى الله عليه وسلم والآخر كافر وهو الأسود بن عبد الأسد بن عبد ياليل.

وقيل: هذا مَثَلٌ لعيينة بن حصن وأصحابه مع سليمان،وأصحابه، شبههما برجلين من بني إسرائيل أخوين أحدهما مؤمن واسمه يهوذا في قول ابن عباس، وقال مقاتل: يمليخا، والآخر كافر واسمه قطروس، وقال وهب: قطفير، وهما اللذان وصفهما الله تعالى في سورة "والصافات"، وكانت قصتهما، على ما حكى عبدالله بن المبارك عن معمر عن عطاء الخراساني قال: كان رجلان شريكين لهما ثمانية آلاف دينار، وقيل: كانا أخوين ورثا من أبيهما ثمانية آلاف دينار فاقتسماها، فعمد أحدهما فاشترى أرضاً بألف دينار، فقال صاحبه: اللهم إن فلاناً قد اشترى أرضاً بألف دينار، فإني أشتري منك أرضاً في الجنة بألف دينار، فتصدق بألف دينار، ثم إن صاحبه بنى داراً بألف دينار، فقال هذا: اللهم إن فلاناً بنى داراً بألف دينار، فإني اشتري منك داراً في الجنة بألف دينار، فتصدق بذلك ثم تزوج صاحبه امرأة فأنفق عليها ألف دينار، فقال هذا المؤمن: اللهم إني أخطب إليك امرأة من نساء الجنة بألف دينار. فتصدق بألف دينار، ثم اشترى صاحبه خدماً ومتاعاً بألف دينار، فقال هذا: اللهم إني أشتري منك متاعاً وخدماً في الجنة بألف دينار، فتصدق بألف دينار، ثم أصابته حاجة شديدة، فقال: لو أتيتُ صاحبي لعله ينالني منه معروف، فجلس على طريقه حتى مرَّ به في حشمه، فقام إليه فنظر إليه الآخر فعرفه، فقال: فلان؟ قال: نعم، فقال: ما شأنك؟ فقال: أصابتني حاجة بعدك فأتيتك لتصيبني بخير، فقال: ما فعل مالك وقد اقتسمنا مالاً واحداً وأخذت شطره؟ فقصّ عليه قصته، فقال: وإنك لمن المصدقين بهذا؟ اذهب فلا أعطيك شيئاً، فطرده فقضي لهما أن توفيا، فنزل فيهما: { فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ يَتَسَآءَلُونَ قَالَ قَآئِلٌ مِّنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ } " [الصافات: 50-51]

وروي أنه لما أتاه أخذ بيده وجعل يطوف به ويريه أموال نفسه، فنزل فيهما.

{ وَٱضْرِبْ لَهُم مَّثَلاً رَّجُلَيْنِ } اذكر لهم خبر رجلين، { جَعَلْنَا لأَِحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ }، بستانين، { مِنْ أَعنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ }، أي: أطفناهما من جوانبهما بنخل، والحِفَاف: الجانب، وجمعه أحِفَّة، يقال: حفَّ به القوم، أي: طافوا بجوانبه، { وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا }، أي: جعلنا حول الأعناب النخيل، ووسط الأعناب الزرع.

وقيل: "بينهما" أي بين الجنتين زرعاً، يعني: لم يكن بين الجنتين موضع خراب.