التفاسير

< >
عرض

فَٱتَّخَذَتْ مِن دُونِهِم حِجَاباً فَأَرْسَلْنَآ إِلَيْهَآ رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَراً سَوِيّاً
١٧
قَالَتْ إِنِّيۤ أَعُوذُ بِٱلرَّحْمَـٰنِ مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيّاً
١٨
قَالَ إِنَّمَآ أَنَاْ رَسُولُ رَبِّكِ لأَهَبَ لَكِ غُلاَماً زَكِيّاً
١٩
قَالَتْ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي غُلاَمٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيّاً
٢٠
-مريم

معالم التنزيل

{ فَٱتَّخَذَتْ }، فضربتْ، { مِن دُونِهِمْ حِجَاباً }، قال ابن عباس رضي الله عنهما: ستراً.

وقيل: جلست وراء جدار. وقال مقاتل: وراء جبل.

وقال عكرمة: إن مريم كانت تكون في المسجد فإذا حاضت تحولت إلى بيت خالتها، حتى إذا طهرت عادت إلى المسجد، فبينما هي تغتسل من المحيض قد تجردت، إذْ عرض لها جبريل في صورة شابٍّ أمرد، وضيء الوجه، جعد الشعر، سويِّ الخلق، فذلك قوله:

{ فَأَرْسَلْنَآ إِلَيْهَآ رُوحَنَا }، يعني: جبريل عليه السلام، { فتَمَثَّلَ لَهَا بَشَراً سَوِيّاً }، وقيل: المراد من الروح عيسى عليه السلام، جاء في صورة بشر فحملت به. والأول أصح فلما رأت مريم جبريل يقصد نحوها نادته من بعيد، فـ: { قَالَتْ إِنِّىۤ أَعُوذُ بِٱلرَّحْمَـٰنِ مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيّاً } مؤمناً مطيعاً.

فإن قيل: إنما يستعاذ من الفاجر، فكيف قالت: إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقياً؟

قيل: هذا كقول القائل: إن كنت مؤمناً فلا تظلمني. أي: ينبغي أن يكون إيمانك مانعاً من الظلم، وكذلك هاهنا.

معناه: ينبغي أن تكون تقواك مانعاً لك من الفجور.

{ قَالَ }، لها جبريل: { إِنَّمَآ أَنَاْ رَسُولُ رَبِّكِ لأَِهَبَ لَكِ }، قرأ نافع وأهل البصرة: "ليهب لك" بالياء، أي: ليهب لك ربُّك، وقرأ الآخرون: "لأهب لك" أسند الفعل إلى الرسول، وإن كانت الهبة من الله تعالى، لأنه أرسل به.

{ غُلَـٰماً زَكِيّاً }، ولداً صالحاً طاهراً من الذنوب.

{ قَالَتْ }، مريم: { أَنَّىٰ }، من أين، { يَكُونُ لِى غُلَـٰمٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِى بَشَرٌ }، لم يقربني زوج، { وَلَمْ أَكُ بَغِيّاً }، فاجرةً؟ تريد أن الولد إنما يكون من نكاح أو سفاح، ولم يكن هنا واحد منهما.