التفاسير

< >
عرض

ثُمَّ لَنَنزِعَنَّ مِن كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى ٱلرَّحْمَـٰنِ عِتِيّاً
٦٩
ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِٱلَّذِينَ هُمْ أَوْلَىٰ بِهَا صِلِيّاً
٧٠
وَإِن مِّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا كَانَ عَلَىٰ رَبِّكَ حَتْماً مَّقْضِيّاً
٧١
-مريم

معالم التنزيل

{ ثُمَّ لَنَنزِعَنَّ }، لنخرجنّ، { مِن كُلِّ شِيعَةٍ }، أي: من كل أمة وأهل دين من الكفار. { أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى ٱلرَّحْمَـٰنِ عِتِيّاً }، عتواً، قال ابن عباس رضي الله عنهما: يعني جرأة. وقال مجاهد: فجوراً، يريد: الأعتى فالأعتى.

وقال الكلبي: قائدهم ورأسهم في الشر يريد أنه يقدم في إدخال من هو أكبر جرماً وأشد كفراً.

وفي بعض الآثار: أنهم يحشرون جميعاً حول جهنم مسلسلين مغلولين، ثم يقدم الأكفر فالأكفر.

ورفع { أَيُّهُمْ } على معنى: الذي يقال لهم: أيهم أشد على الرحمن عتياً.

وقيل: على الاستئناف، ثم لننزعن [يعمل في موضع "من كل شيعة"].

{ ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِٱلَّذِينَ هُمْ أَوْلَىٰ بِهَا صِلِيّاً }، أي: أحق بدخول النار، يقال: صلي يصلى صِلِيَّاً، مثل: لقي يلقىٰ لِقِيَّاً، وصلى يَصْلِي صُلِيَّاً مثل مضى يمضي مضياً، إذا دخل النار وقاسى حرَّها.

قوله عز وجل: { وَإِن مِّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا }، وما منكم إلا واردها، وقيل: القسم فيه مضمر، أي: والله ما منكم من أحد إلا واردها، والورود هو موافاة المكان.

واختلفوا في معنى الورود هاهنا، وفيما تنصرف إليه الكناية في قوله: { وَارِدُهَا }: قال ابن عباس رضي الله عنهما وهو قول الأكثرين؛ معنى الورود هاهنا هو الدخول، والكناية راجعة إلى النار، وقالوا: النار يدخلها البر والفاجر، ثم ينجي الله المتقين، فيخرجهم منها.

والدليل على أن الورود هو الدخول: قول الله عزّ وجلّ حكاية عن فرعون: { { يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ فَأَوْرَدَهُمُ ٱلنَّارَ } [هود: 98].

وروى ابن عيينة عن عمرو بن دينار أن نافع بن الأزرقَ مَاْرَىٰ ابن عباس رضي الله عنهما في الورود، فقال ابن عباس رضي الله عنهما: هو الدخول. وقال نافع: ليس الورود الدخول، فتلا عبدالله ابن عباس رضي الله عنهما قوله تعالى: { إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمْ لَهَا وَارِدُونَ } [الأنبياء: 98] أدخلها هؤلاء أم لا؟ ثم قال: يا نافع أما والله أنا وأنت سَنَرِدُها، وأنا أرجو أن يخرجني الله وما أرى الله عزّ وجلّ يخرجك منها بتكذيبك.

وقال قوم: ليس المراد من الورود الدخول، وقالوا: النار لا يدخلها مؤمن أبداً، لقوله تعالى: { إِنَّ ٱلَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِّنَّا ٱلْحُسْنَىٰ أُوْلَـٰئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ لاَ يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا } [الأنبياء: 101-102]، وقالوا: كل من دخلها لا يخرج منها. والمراد من قوله: { وَإِن مِّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُها }، الحضور والرؤية، لا الدخول، كما قال تعالى: { وَلَمَّا وَرَدَ مَآءَ مَدْيَنَ } [القصص: 23] أراد به الحضور.

وقال عكرمة: الآية في الكفار فإنهم يدخلونها ولا يخرجون منها.

وروى عن ابن مسعود رضي الله عنه، أنه قال: { وَإِن مِّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا } يعني: القيامة، والكناية راجعة إليها.

والأول أصح، وعليه أهل السنة، أنهم جميعاً يدخلون النار ثم يخرج الله عزّ وجل منها أهل الإِيمان، بدليل قوله تعالى: { ثُمَّ نُنَجِّى ٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ }