التفاسير

< >
عرض

بَدِيعُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَإِذَا قَضَىٰ أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ
١١٧
وَقَالَ ٱلَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ لَوْلاَ يُكَلِّمُنَا ٱللَّهُ أَوْ تَأْتِينَآ آيَةٌ كَذَلِكَ قَالَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ مِّثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ قَدْ بَيَّنَّا ٱلآيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ
١١٨
إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِٱلْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلاَ تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ ٱلْجَحِيمِ
١١٩
-البقرة

معالم التنزيل

قوله تعالى: { بَدِيعُ ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } أي مبدعها ومنشئها من غير مثال سبق { وَإِذَا قَضَىٰ أَمْرًا } أي قدَّره، وقيل: أحكمه وقدره وأتقنه، وأصل القضاء: الفراغ، ومنه قيل لمن مات: قضي عليه لفراغه من الدنيا، ومنه قضاء الله وقدره لأنه فرغ منه تقديراً وتدبيراً.

{ فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ } قرأ ابن عامر كن فيكونَ بنصب النون في جميع المواضع إلا في آل عمران «كن فيكون، الحق من ربك» وفي سورة الأنعام «كن فيكون، قوله الحق» وإنما نصبها لأن جواب الأمر بالفاء يكون منصوباً وافقه الكسائي في النحل ويس، وقرأ الآخرون بالرفع علىٰ معنى فهو يكون، فإن قيل كيف قال (فإنما يقول له كن فيكون) والمعدوم لا يخاطب، قال ابن الأنباري: معناه فإنما يقول له أي لأجل تكوينه، فعلى هذا ذهب معنى الخطاب، وقيل: هو وإن كان معدوماً ولكنه قدر وجوده وهو كائن لا محالة كان كالموجود، فصحَّ الخطاب.

قوله تعالى: { وَقَالَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ } قال ابن عباس رضي الله عنهما: اليهود، وقال مجاهد: النصارى، وقال قتادة: مشركو العرب { لَوْلاَ } هلاَّ { يُكَلِّمُنَا ٱللَّهُ } عياناً بأنك رسوله وكل ما في القرآن «لولا» فهو بمعنى هلاّ، إلا واحداً، وهو قوله { فَلَوْلاَ أَنَّهُ كَانَ مِنَ ٱلْمُسَبِّحِينَ } [الصافات: 143] معناه فلو لم يكن { أَوْ تَأْتِينَآ ءَايَةٌ } دلالة وعلامة على صدقك في ادعائك النبوة.

قال الله تعالىٰ: { كَذَٰلِكَ قَالَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِم } أي كفار الأمم الخالية { مِّثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَـٰبَهَتْ قُلُوبُهُمْ } أي: أشبه بعضها بعضاً في الكفر والقسوة وطلب المحال { قَدْ بَيَّنَّا ٱلآيَـٰتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ إِنَّآ أَرْسَلْنَاكَ بالحَقِّ } أي بالصدق كقوله { { وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ } [يونس: 53] أي صدق، قال ابن عباس رضي الله عنهما: بالقرآن دليله { { بَلْ كَذَّبُواْ بِٱلْحَقِّ لَمَّا جَآءَهُمْ } [ق: 5] وقال ابن كيسان: بالإِسلام وشرائعه، دليله: قوله عز وجل: { { وَقُلْ جَاءَ ٱلْحَقُّ } [الإسراء: 81] وقال مقاتل: معناه لم نرسلك عبثاً، إنما أرسلناك بالحق، كما قال: { { وَمَا خَلَقْنَا ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَآ إِلاَّ بِٱلْحَقِّ } [الحجر: 85].

وقوله عز وجل { بَشِيرًا } أي مبشراً لأوليائي وأهل طاعتي بالثواب الكريم { وَنَذِيرًا } أي منذراً مخوفاً لأعدائي وأهل معصيتي بالعذاب الأليم، قرأ نافع ويعقوب: { ولا تسأل } على النهي.

قال عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهما: وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ذات يوم: "ليت شعري ما فعل أبواي" فنزلت هذه الآية، وقيل: هو على معنى قولهم: ولا تسأل عن شرِ فلان فإنه فوق ما تحسب وليس على النهي، وقرأ الآخرون «ولا تسأل» بالرفع على النفي بمعنى ولست بمسؤول عنهم كما قال الله تعالىٰ: { { فَإِنَّمَا عَلَيْكَ ٱلْبَلَـٰغُ وَعَلَيْنَا ٱلْحِسَابُ } [الرعد:40]، { عَنْ أَصْحَـٰبِ ٱلْجَحِيمِ } والجحيم معظم النار.