التفاسير

< >
عرض

وِمِنْهُمْ مَّن يَقُولُ رَبَّنَآ آتِنَا فِي ٱلدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي ٱلآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ ٱلنَّارِ
٢٠١
أُولَـٰئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّمَّا كَسَبُواْ وَٱللَّهُ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ
٢٠٢
وَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ فِيۤ أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلاۤ إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ ٱتَّقَىٰ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَٱعْلَمُوآ أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ
٢٠٣
-البقرة

معالم التنزيل

{ ومِنْهُم مَّن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ ٱلنَّارِ } يعني المؤمنين، واختلفوا في معنى الحسنتين، قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه في الدنيا حسنة: امرأة صالحة، وفي الآخرة حسنة: الجنة.

أخبرنا أبو القاسم عبد الله بن محمد الحنيفي أنا أبو الحسن محمد بن يعقوب الطوسي أخبرنا أبو بكر أحمد بن يوسف بن خلاد أنا الحارث بن أبي أسامة أنا أبو عبد الرحمٰن المقري أخبرنا حيوة وابن لهيعة قالا أخبرنا شرحبيل بن شريك أنه سمع أبا عبد الرحمٰن الحبلي يحدث عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الدنيا كلها متاع وخير متاعها المرأة الصالحة" وقال الحسن: في الدنيا حسنة: العلم والعبادة،وفي الآخرة حسنة، الجنة، وقال السدي وابن حيان: { فِي الدُّنيَا حَسَنَةً } رزقاً حلالاً وعملاً صالحاً، { وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً } المغفرة والثواب.

أخبرنا أبو بكر بن محمد بن عبد الله بن أبي توبة أخبرنا أبو طاهر محمد بن أحمد بن الحارث أخبرنا أبو الحسن محمد بن يعقوب الكسائي أخبرنا عبد الله بن محمود أخبرنا إبراهيم بن عبد الله الخلال ثنا عبد الله بن المبارك عن يحيى بن أيوب حدثني عبيد الله بن زَحْرٍ عن علي بن يزيد عن القاسم أبي عبد الرحمٰن عن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أغبط أوليائي عندي مؤمن خفيف الحاذ ذو حظ من الصلاة أحسن عبادة ربه، فأطاعه في السر، وكان غامضاً في الناس لا يشار إليه بالأصابع، وكان رزقه كفافاً، فصبر على ذلك، ثم (نفض بيده) فقال: هكذا عجلت منيته قلت بواكيه قل تراثه" .

وقال قتادة: في الدنيا عافية وفي الآخرة عافية. وقال عوف في هذه الآية: من آتاه الله الإِسلام والقرآن وأهلاً ومالاً فقد أوتي في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة.

أخبرنا الشيخ أبو القاسم عبد الله بن علي الكركاني الطوسي أخبرنا أبو طاهر محمد بن محمش الزيادي أخبرنا أبو الفضل عبدوس بن الحسين بن منصور السمسار أخبرنا أبو حاتم محمد بن إدريس الحنظلي الرازي أخبرنا محمد بن عبد الله الأنصاري أخبرنا حميد الطويل عن ثابت البناني عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً قد صار مثل الفرخ فقال: هل كنت تدعو الله بشيء أو تسأله إياه؟ فقال: يا رسول الله كنت أقول: اللهم ما كنت معاقبني به في الآخرة فعجله لي في الدنيا فقال: سبحان الله إذن لا تستطيعه ولا تطيقه فهلا قلت اللهم ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار" .

أخبرنا أبو الحسن محمد بن محمد السرخسي أخبرنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن أبي إسحاق الحجاجي أخبرنا أبو العباس محمد بن عبد الرحمٰن الدغولي أخبرنا محمد بن مشكان أخبرنا أبو داود أخبرنا شعبة عن ثابت عن أنس قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول: ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار" .

أخبرنا عبد الوهاب بن محمد الكسائي أخبرنا عبد العزيز بن أحمد الخلال أخبرنا أبو العباس الأصم أخبرنا الربيع بن سليمان أخبرنا الشافعي أخبرنا سعيد بن سالم القداح عن ابن جريج عن يحيى بن عبيد مولى السائب عن أبيه عن عبد الله بن السائب أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: فيما بين ركن بني جمح والركن الأسود: "ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار" .

قوله تعالىٰ { أُولَـٰئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ } حظ { مِّمَّا كَسَبُواْ } من الخير والدعاء بالثواب والجزاء { وَٱللَّهُ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ } يعني إذا حاسب فحسابه سريع لا يحتاج إلى عقد يد ولا وعي صدر ولا إلى رؤية ولا فكر.

قال الحسن: أسرع من لمح البصر وقيل: معناه إتيان القيامة قريب لأن ما هو كائن لا محالة فهو قريب، قال الله تعالىٰ: { { وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ ٱلسَّاعَةَ قَرِيبٌ } [الشورى: 17].

قوله تعالىٰ { وَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ } يعني التكبيرات أدبار الصلاة وعند الجمرات يكبر مع كل حصاة وغيرها من الأوقات { فِىۤ أَيَّامٍ مَّعْدُودَٰتٍ } الأيام المعدودات: هي أيام التشريق، وهي أيام منى ورمي الجمار، سميت معدودات لقلتهن كقوله: { دَرَٰهِمَ مَعْدُودَةٍ } [يوسف: 20] والأيام المعلومات: عشر ذي الحجة آخرهن يوم النحر. هذا قول أكثر أهل العلم وروي عن ابن عباس المعلومات: يوم النحر ويومان بعده والمعدودات أيام التشريق، وعن علي قال: المعلومات يوم النحر وثلاثة أيام بعده، وقال عطاء عن ابن عباس المعلومات يوم عرفة ويوم النحر وأيام التشريق. وقال محمد بن كعب: هما شيء واحد وهي أيام التشريق، وروى عن نبيشة الهذلي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر الله" .

ومن الذكر في أيام التشريق: التكبير، واختلفوا فيه فروي عن عمر وعبد الله بن عمر أنهما كانا يكبران بمنى تلك الأيام خلف الصلاة وفي المجالس وعلى الفراش والفسطاط وفي الطريق ويكبر الناس بتكبيرهما ويتأولان هذه الآية. والتكبير أدبار الصلوات مشروع في هذه الأيام في حق الحاج وغير الحاج عند عامة العلماء واختلفوا في قدره فذهب قوم إلى أنه يُبْتدأ التكبير عقيب صلاة الصبح من يوم عرفة ويختتم بعد العصر من آخر أيام التشريق، يروى ذلك عن علي رضي الله عنه، وبه قال مكحول، وإليه ذهب أبو يوسف رضي الله عنه، وذهب قوم إلى أنه يُبتدأ التكبير عقيب صلاة الصبح من يوم عرفة ويختتم بعد العصر من يوم النحر، يروى ذلك عن بن مسعود رضي الله عنه وبه قال أبو حنيفة، وقال قوم يُبتدأ عقيب صلاة الظهر من يوم النحر ويختتم بعد الصبح من آخر أيام التشريق، يروى ذلك عن ابن عباس وبه قال مالك والشافعي، قال الشافعي: لأن الناس فيه تبع للحاج وذِكْرُ الحاج قبل هذا الوقت التلبية ويأخذون في التكبير يوم النحر من بعد صلاة الظهر، ولفظ التكبير: كان سعيد بن جبير والحسن يقولان: الله أكبر الله أكبر الله أكبر ثلاثاً نسقاً - وهو قول أهل المدينة، وإليه ذهب الشافعي، وقال: وما زاد من ذكر الله فهو حسن، وعند أهل العراق يكبر اثنين يروى ذلك عن ابن مسعود.

قال تعالىٰ: { فَمَن تَعَجَّلَ فِى يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ } أراد أن من نفر من الحاج في اليوم الثاني من أيام التشريق { فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ }، وذلك أن على الحاج أن يبيت بمنى الليلة الأولى والثانية من أيام التشريق ويرمي كل يوم بعد الزوال إحدى وعشرين حصاة، عند كل جمرة سبع حصيات، ورخص في ترك البيتوتة لرعاء الإِبل وأهل سقاية الحاج، ثم كل من رمى اليوم الثاني من أيام التشريق وأراد أن ينفر فيدع البيتوتة الليلة الثالثة ورمى يومها فذلك له واسع لقوله تعالىٰ { فَمَن تَعَجَّلَ فِى يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ } ومن لم ينفر حتى غربت الشمس فعليه أن يبيت حتى يرمي اليوم الثالث ثم ينفر، قوله تعالى { وَمَن تَأَخَّرَ فَلاۤ إِثْمَ عَلَيْهِ } يعني لا إثم على من تعجل فنفر في اليوم الثاني في تعجيله ومن تأخر حتى ينفر في اليوم الثالث { فَلاۤ إِثْمَ عَلَيْهِ } في تأخره. وقيل: معناه { فَمَن تَعَجَّلَ } فقد ترخّص { فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ } بالترخص { وَمَن تَأَخَّرَ فَلاۤ إِثْمَ عَلَيْه } بترك الترخص وقيل معناه رجع مغفوراً له، لا ذنب عليه تعجل أو تأخر، كما روينا "من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه" وهو قول علي وابن مسعود.

قوله تعالىٰ: { لِمَنِ ٱتَّقَىٰ } أي لمن اتقى أن يصيب في حجه شيئاً نهاه الله عنه كما قال: «من حج فلم يرفث ولم يفسق» قال ابن مسعود: إنما جعلت مغفرة الذنوب لمن اتقى الله تعالىٰ في حجه، وفي رواية الكلبي عن ابن عباس معناه { لِمَنِ ٱتَّقَىٰ } الصيد لا يحل له أن يقتل صيداً حتى تخلو أيام التشريق، وقال أبو العالية ذهب إثمه إن اتقى فيما بقي من عمره { وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ } تجمعون في الآخرة فيجزيكم بأعمالكم.