التفاسير

< >
عرض

يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْخَمْرِ وَٱلْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَآ إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَٰفِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَآ أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ ٱلْعَفْوَ كَذٰلِكَ يُبيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمُ ٱلأيَٰتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ
٢١٩
فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْيَتَامَىٰ قُلْ إِصْلاَحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ ٱلْمُفْسِدَ مِنَ ٱلْمُصْلِحِ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لأَعْنَتَكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ
٢٢٠
-البقرة

معالم التنزيل

قوله تعالىٰ: { يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْخَمْرِ وَٱلْمَيْسِرِ } الآية، نزلت في عمر بن الخطاب ومعاذ بن جبل رضي الله عنهما ونفر من الأنصار أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله أفتنا في الخمر والميسر فإنهما مذهبة للعقل مسلبة للمال؟ فأنزل الله هذه الآية.

وجملة القول في تحريم الخمر على ما قال المفسرون إن الله تعالى أنزل في الخمر أربع آيات نزلت بمكة وهي: { { وَمِن ثَمَراتِ النَّخِيلِ والأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقًا حَسَنًا } [النحل: 67] فكان المسلمون يشربونها وهي لهم حلال يومئذ، ثم نزلت في مسألة عمر ومعاذ بن جبل: { يَسْألُونَكَ عَنِ الخَمْرِ والمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ } فلما نزلت هذه الآية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله تقدم في تحريم الخمر" فتركها قوم لقوله (إثم كبير) وشربها قوم لقوله: (ومنافع للناس) إلى أن صنع عبد الرحمٰن بن عوف طعاماً فدعا ناساً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وأتاهم بخمر فشربوا وسكروا، وحضرت صلاة المغرب فقدموا بعضهم ليصلي بهم فقرأ «قل يا أيها الكافرون أعبد ما تعبدون» هكذا إلى آخر السورة بحذف «لا» فأنزل الله تعالىٰ: { { يَا أيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَقْرَبُواْ ٱلصَّلاةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ } [النساء: 43] فحرم السكر في أوقات الصلاة، فلما نزلت هذه الآية تركها قوم، وقالوا لا خير في شيء يحول بيننا وبين الصلاة، وتركها قوم في أوقات الصلاة وشربوها في غير حين الصلاة، حتى كان الرجل يشرب بعد صلاة العشاء فيصبح وقد زال عنه السكر، ويشرب بعد صلاة الصبح فيصحو إذا جاء وقت الظهر، واتخذ عتبان بن مالك صنيعاً ودَعا رجالاً من المسلمين فيهم سعد بن أبي وقاص وكان قد شوى لهم رأس بعير، فأكلوا منه وشربوا الخمر حتى أخذت منهم، ثم إنهم افتخروا عند ذلك وانتسبوا وتناشدوا الأشعار، فأنشد سعد قصيدة فيها هجاء للأنصار وفخر لقومه فأخذ رجل من الأنصار لحي البعير فضرب به رأس سعد فشجه شجة موضحه فانطلق سعد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وشكا إليه الأنصاري فقال عمر: اللهم بيِّن لنا رأيك في الخمر بياناً شافياً، فأنزل الله تعالىٰ تحريم الخمر في سورة المائدة: إلى قوله (فهل أنتم منتهون).

وذلك بعد غزوة الأحزاب بأيام فقال عمر رضي الله عنه انتهينا يا رب، قال أنس حرمت الخمر ولم يكن يومئذ للعرب عيش أعجب منها وما حرَّم عليهم شيئاً أشد من الخمر.

عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: لما نزلت الآية في سورة المائدة حرمت الخمر فخرجنا بالحباب إلى الطريق فصببنا ما فيها فمنا من كسر صبَّه ومنا من غسله بالماء والطين، ولقد غودرت أزقة المدينة بعد ذلك حيناً فلما مطرت استبان فيها لون الخمر وفاحت منها ريحها.

أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي أخبرنا محمد بن يوسف اخبرنا محمد بن اسماعيل أخبرنا يعقوب بن ابراهيم اخبرنا ابن علية أخبرنا عبد العزيز بن صهيب قال: قال لي أنس بن مالك ما كان لنا خمر غير فضيحتكم وإني لقائم أسقي أبا طلحة وفلاناً وفلاناً إذ جاء رجل فقال: حرمت الخمر. فقالوا أهرق هذه القلال يا أنس قال فما سألوا عنها ولا راجعوها بعد خبر الرجل.

وعن أنس: سميت خمراً لأنهم كانوا يدعونها في الدنان حتى تختمر وتتغير، وعن ابن المسيب: لأنها تركت حتى صفا صفوها، ورسب كدرها، واختلف الفقهاء في ماهية الخمر، فقال قوم: هي عصير العنب أو الرطب الذي اشتد وغلا من غير عمل النار فيه، واتفقت الأئمة على أن هذا الخمر نجس يحد شاربه ويفسق ويكفر مستحلّها، وذهب سفيان الثوري وأبو حنيفة وجماعة إلى أن التحريم لا يتعدى هذا ولا يحرم ما يتخذ من غيرها كالمتخذ من الحنطة والشعير والذرة والعسل والفانيد إلا أن يسكر منه فيحرم، وقالوا إذا طبخ عصير العنب والرطب حتى ذهب نصفه فهو حلال ولكنه يكره، وإن طبخ حتى ذهب ثلثاه قالوا هو حلال مباح شربه إلا أن السكر منه حرام، ويحتجون بما روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كتب إلى بعض عماله أن أرزق المسلمين من الطلاء ما ذهب ثلثاه وبقي ثلثه.

ورأى أبو عبيدة ومعاذ شرب الطلاء على الثلث.

وقال قوم: إذا طبخ العصير أدنى طبخ صار حلالاً، وهو قول اسماعيل بن عُليّة.

وذهب أكثر أهل العلم إلى أن كل شراب أسكر كثيره فهو خمر فقليله حرام يحد شاربه.

واحتجوا بما أخبرنا أبو الحسن السرخسي أخبرنا زاهر بن أحمد أخبرنا أبو إسحاق الهاشمي أخبرنا أبو مصعب عن مالك عن ابن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمٰن عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البِتْع فقال: "كل شراب أسكر فهو حرام" .

أخبرنا أبو عبد الله بن محمد بن الفضل الخرقي أنا أبو الحسن علي بن عبد الله الطيسفوني أنا عبد الله بن عمر الجوهري أخبرنا أحمد بن علي الكشميهني أنا علي ابن حجر أنا اسماعيل بن جعفر عن داود ابن بكر بن أبي الفرات عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما أسكر كثيره فقليله حرام" .

أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر الجرجاني أنا عبد الغفار بن محمد الفارسي أنا محمد بن عيسى الجلودي أنا ابراهيم بن محمد بن سفيان أنا مسلم بن الحجاج أنا أبو الربيع العتكي اخبرنا حماد بن زيد حدثنا أيوب بن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كل مسكر خمر وكل مسكر حرام ومن شرب الخمر في الدنيا فمات وهو مدمنها ولم يتب لم يشربها في الآخرة" .

أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف أنا محمد بن اسماعيل أنا أحمد بن أبي رجاء أنا يحيى، عن أبي حيان التيمي عن الشعبي عن ابن عمر قال خطب عمر على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال انه قد نزل تحريم الخمر، وهي من خمسة أشياء: من العنب والتمر، والحنطة والشعير والعسل، والخمر ما خامر العقل.

وروى الشعبي عن النعمان بن بشير قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن من العنب خمراً، وإن من التمر خمراً، وإن من العسل خمراً، وإن من البر خمراً وإن من الشعير خمراً" . فثبت أن الخمر لا يختص بما يتخذ من العنب أو الرطب.

أخبرنا أبو الحسن السرخسي أنا زاهر بن أحمد أخبرنا أبو اسحاق الهاشمي أنا أبو مصعب عن مالك عن ابن شهاب عن السائب بن يزيد أنه أخبره أن عمر بن الخطاب خرج عليهم فقال اني وجدت من فلان ريح شراب، وزعم أنه شرب الطلاء، وأنا سائل عما شرب فإن كان يسكر جلدته، فجلده عمر الحد تامّاً، وما روى عن عُمَرَ وأبي عبيده ومعاذ في الطلاء فهو فيما طبخ حتى خرج عن أن يكون مسكراً. وسئل ابن عباس عن الباذق فقال: سبق محمد الباذق فما أسكر فهو حرام.

قوله تعالىٰ { وَٱلْمَيْسِرِ } يعني القمار، قال ابن عباس: كان الرجل في الجاهلية يخاطر الرجل على أهله وماله فأيهما قمر صاحبه ذهب بأهله وماله فأنزل الله تعالىٰ هذه الآية، والميسر: مفعل من قولهم يُسِّرَ لي الشيء إذا وجب يَيْسِر يسراً ومَيْسِراً، ثم قيل للقمار ميسر وللمقامر ياسر ويسر، وكان أصل الميسر في الجزور وذلك أن أهل الثروة من العرب كانوا يشترون جزوراً فينحرونها ويجزؤونها عشرة أجزاء ثم يسهمون عليها بعشرة أقداح يقال لها الأزلام والأقلام، لسبعةٍ منها أنصباء وهي: الفذُّ وله نصيب واحد، والتوأم وله نصيبان، والرقيب وله ثلاثة أسهم، والحلس وله أربعة، والنافس وله خمسة، والمسبل وله ستة، والمعلَّى وله سبعة، وثلاثة منها: لا أنصباء لها وهي المنيح والسفيح والوغد، ثم يجعلون القداح في خريطة تسمى الرِّبابة ويضعونها على يدي رجل عدل عندهم يسمى المجيل والمفيض، ثم يجيلها ويخرج قدحاً منها باسم رجل منهم، فأيهم خرج سهمه أخذ نصيبه على قدر ما يخرج، فإن خرج له واحد من هذه الثلاثة التي لا أنصباء لها كان لا يأخذ شيئاً ويغرم ثمن الجزور كله.

وقال بعضهم كان لا يأخذ شيئاً ولا يغرم ويكون ذلك القدح لغواً ثم يدفعون ذلك الجزور إلى الفقراء ولا يأكلون منه شيئاً، وكانوا يفتخرون بذلك ويذمون من لم يفعل ذلك، ويسمونه البُرمَ وهو أصل القمار الذي كانت تفعله العرب. والمراد من الآية أنواع القمار كلها، قال طاووس وعطاء ومجاهد: كل شيء فيه قمار فهو من الميسر حتى لعب الصبيان بالجوز والكعاب، وروي عن علي رضي الله عنه في النرد والشطرنج أُنهما من الميسر.

قوله تعالى: { قُلْ فِيهِمَآ إِثْمٌ كَبِيرٌ } وزر عظيم من المخاصمة والمشاتمة وقول الفحش، قرأ حمزة والكسائي إِثم كثير بالثاء المثلثة وقرأ الباقون بالباء فالإِثم في الخمر والميسر ما ذكره الله في سورة المائدة. { { إِنَّمَا يُرِيدُ ٱلشَّيْطَانُ أن يُوقِعَ بَيْنَكُمْ ٱلعَدَاوَةَ وٱلبَغْضَاءَ فِي ٱلخَمْرِ وٱلمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ ٱللهِ وَعَنِ ٱلصَّلاَةِ فَهَلْ أنتُم مُّنتَهُونَ } [المائدة: 91] { وَمَنَـٰفِعُ لِلنَّاسِ } فمنفعة الخمر اللذة عند شربها والفرح واستمراء الطعام وما يصيبون من الربح بالتجارة فيها، ومنفعة الميسر إِصابة المال من غير كد ولا تعب وارتفاق الفقراء به. والإِثم فيه أنه إِذا ذهب ماله من غير عوض ساءه ذلك فعادى صاحبه فقصده بالسوء.

{ وَإِثْمُهُمَآ أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا } قال. الضحاك وغيره: إثمهما بعد التحريم أكبر من نفعهما قبل التحريم، وقيل: إثمهما أكبر من نفعهما قبل التحريم وهو ما يحصل من العداوة والبغضاء.

قوله تعالىٰ: { وَيَسْـأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ } وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حثهم على الصدقة فقالوا ماذا ننفق؟ فقال: { قُلِ ٱلْعَفْوَ } قرأ أبو عمرو العفو بالرفع، معناه: الذي ينفقون هو العفو. وقرأ الآخرون بالنصب، على معنى قل: أنفقوا العفو.

واختلفوا في معنى العفو، فقال قتادة وعطاء والسدي: هو ما فضل عن الحاجة، وكانت الصحابة يكتسبون المال ويمسكون قدر النفقة ويتصدقون بالفضل بحكم هذه الآية، ثم نسخ بآية الزكاة. وقال مجاهد: معناه: التصدق عن ظهر غنى حتى لا يبقىٰ كَلاًّ على الناس.

أخبرنا الإِمام أبو علي الحسين بن محمد القاضي أنا أبو طاهر محمد بن محمد بن محمش الزيادي أنا أبو بكر محمد بن عمر بن حفص التاجر أنا ابراهيم بن عبد الله بن عمر الكوفي أنا وكيع عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى واليد العليا خير من اليد السفلى، وابدأ بمن تعول" .

وقال عمرو بن دينار: الوسط من غير إسراف ولا إقتار قال الله تعالىٰ: { والَّذِينَ إِذَا أنفَقُواْ لَمْ يُسْرِفُواْ وَلَمْ يَقْتُرُواْ } [الفرقان: 67] وقال طاووس: ما يسر، والعفو: اليسر من كل شيء (ومنه قوله تعالىٰ) { خُذِ العَفْوَ } [الأعراف: 199] أي الميسور من أخلاق الناس.

أخبرنا عبد الوهاب بن محمد الخطيب أنا عبد العزيز أحمد الخلال أنا أبو العباس الأصم أنا الربيع بن سليمان أخبرنا الشافعي أنا سفيان عن محمد بن عجلان عن سعيد بن أبي سعيد عن أبي هريرة قال: " جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله عندي دينار، قال: صلى الله عليه وسلم أنفقه على نفسك قال: عندي آخر قال:أنفقه على ولدك قال: عندي آخر قال:أنفقة على أهلك قال: عندي آخر قال: أنفقه على خادمك قال: عندي آخر، قال: أنت أعلم" .

قوله تعالىٰ: { كَذٰلِكَ يُبيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمُ ٱلآيَـٰتِ } قال الزجاج: إنما قال كذلك على الواحد وهو يخاطب جماعة، لأن الجماعة معناها القبيل كأنه قال: كذلك أيها القبيل، وقيل: هو خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم لأن خطابه يشتمل على خطاب الأمة كقوله تعالىٰ { يَا أَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ ٱلنِّسَاءَ } [الطلاق: 1].

قوله تعالىٰ: { لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ في الدُّنْيَا والآخِرَةِ } قيل: معناه يبين الله لكم الآيات في أمر النفقة لعلكم تتفكرون في الدنيا والآخرة، فتحبسون من أموالكم ما يصلحكم في معاش الدنيا وتنفقون الباقي فيما ينفعكم في العقبى، وقال أكثر المفسرين: معناها هكذا: يبين الله لكم الآيات في أمر الدنيا والآخرة، { لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ } في زوال الدنيا وفنائها فتزهدوا فيها وفي إقبال الآخرة وبقائها فترغبوا فيها.

قوله تعالىٰ: { وَيَسْـألُونَكَ عَنِ ٱلْيَتَـٰمَىٰ } قال ابن عباس وقتادة: لما نزل قوله تعالىٰ: { { وَلاَ تَقْرَبُوا مَالَ ٱليَتِيمِ إِلاَّ بِٱلَّتِى هِىَ أَحْسَنُ } [الأنعام: 152] وقوله تعالىٰ { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ ٱلْيَتَامَىٰ ظُلْماً } الآية [النساء: 10] تحرج المسلمون من أموال اليتامى تحرجاً شديداً حتى عزلوا أموال اليتامى عن أموالهم حتى كان يُصنع لليتيم طعام فيفضل منه شيء فيتركونه ولا يأكلونه حتى يفسد، فاشتد ذلك عليهم فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تعالىٰ هذه الآية: { قُلْ إِصْلاَحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ } أي (الإصلاح لأموالهم) من غير أجرة ولا أخذ عوض خير لكم وأعظم أجراً، لما لكم في ذلك من الثواب، وخير لهم، لما في ذلك من توفر أموالهم عليهم، قال مجاهد: يوسع عليهم من طعام نفسه ولا يوسع من طعام اليتيم { وَإِن تُخَالِطُوهُمْ } هذه إباحة المخالطة أي وإن تشاركوهم في أموالهم وتخلطوها بأموالكم في نفقاتكم ومساكنكم وخدمكم ودوابكم فتصيبوا من أموالهم عوضاً عن قيامكم بأمورهم أو تكافؤوهم على ما تصيبون من أموالهم { فَإِخْوَٰنُكُمْ } أي فهم إخوانكم، والاخوان يعين بعضهم بعضاً ويصيب بعضهم من أموال بعض على وجه الإِصلاح والرضا { وَٱللَّهُ يَعْلَمُ ٱلْمُفْسِدَ } لأموالهم { مِنَ ٱلْمُصْلِحِ } لها يعني الذي يقصد بالمخالطة الخيانة وإفساد أموال اليتيم وأكله بغير حق من الذي يقصد الإِصلاح { وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لأَعْنَتَكُمْ } أي لضيق عليكم وما أباح لكم مخالطتهم، وقال ابن عباس: ولو شاء الله لجعل ما أصبتم من أموال اليتامى موبقاً لكم، وأصل العنت الشدة والمشقة. ومعناه: كلفكم في كل شيء ما يشق عليكم { إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ } والعزيز الذي يأمر بعزة - سهل على العباد أو شق عليهم { حَكِيمٌ } فيما صنع من تدبيره وترك الإِعنات.