التفاسير

< >
عرض

إِذْ رَأَى نَاراً فَقَالَ لأَهْلِهِ ٱمْكُثُوۤاْ إِنِّيۤ آنَسْتُ نَاراً لَّعَلِّيۤ آتِيكُمْ مِّنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى ٱلنَّارِ هُدًى
١٠
فَلَمَّآ أَتَاهَا نُودِيَ يٰمُوسَىٰ
١١
إِنِّيۤ أَنَاْ رَبُّكَ فَٱخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِٱلْوَادِ ٱلْمُقَدَّسِ طُوًى
١٢
-طه

معالم التنزيل

{ إِذْ رَأَى نَاراً }، وذلك أن موسى استأذن شعيباً في الرجوع من مدين إلى مصر لزيارة والدته وأخته، فأذن له فخرج بأهله وماله، وكانت أيام الشتاء، فأخذ على غير الطريق مخافةَ ملوكِ الشام، وامرأته في سقمها، لا تدري أليلاً أم نهاراً، فسار في البرية غير عارف بطرقها، فألجأه المسير إلى جانب الطور الغربي الأيمن في ليلة مظلمة مثلجة شديدة البرد، وأخذ امرأته الطَّلْقُ، فقدح زنده فلم يُوره.

وقيل: إن موسى كان رجلاً غيوراً وكان يصحب الرفقة بالليل ويفارقهم بالنهار، لئلا ترىٰ امرأتَه، فأخطأ مرةً الطريق في ليلة مظلمةٍ شاتية، لما أراد الله عزّ وجلّ من كرامته، فجعل يقدح الزند فلا يورى، فأبصر ناراً من بعيد عن يسار الطريق من جانب الطور، { فَقَالَ لأَِهْلِهِ ٱمْكُثُوۤاْ }، أقيموا، قرأ حمزة بضم الهاء هاهنا وفي القصص، { إِنِّىۤ ءَانَسْتُ } أي: أبصرت، { نَاراً لَّعَلِّىۤ آتِيكُم مِّنْهَا بِقَبَسٍ }، شعلة من نار، والقبس قطعة من النار تأخذها في طرف عمود من معظم النار، { أَوْ أَجِدُ عَلَى ٱلنَّارِ هُدًى }، أي: أجد عند النار من يدلني على الطريق.

{ فَلَمَّآ أَتَاهَا }، رأى شجرة خضراء من أسفلها إلى أعلاها، أطافت بها نار بيضاء تتقد كأضوأ ما يكون، فلا ضوء النار يغيّر خضرة الشجرة، ولا خضرة الشجرة تغيِّر ضوء النار.

قال ابن مسعود: كانت الشجرة سَمُرَة خضراء.

وقال قتادة، ومقاتل، والكلبي: كانت من العوسج.

وقال وهب: كانت من العليق.

وقيل: كانت شجرة العناب، رُوي ذلك عن ابن عباس رضي الله عنهما.

وقال أهل التفسير: لم يكن الذي رآه موسى ناراً بل كان نوراً، ذكر بلفظ النار لأن موسى حسبه ناراً.

وقال أكثر المفسرين: إنه نور الرب عزّ وجلّ، وهو قول ابن عباس، وعكرمة، وغيرهما.

وقال سعيد بن جبير: هي النار بعينها، وهي إحدى حجب الله تعالى، يدلُّ عليه: ما روينا عن أبي موسى الأشعري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "حجابُهُ النار لو كشفَها لأحرقت سُبُحَاتُ وجهه ما انتهى إليه بصرهُ من خَلْقِه" « .

وفي القصة أن موسى أخذ شيئاً من الحشيش اليابس وقصد الشجرة فكان كلما دنَا نَأَتْ منه النار، وإذا نأى دنتْ، فوقف متحيراً، وسمع تسبيح الملائكة، وأُلْقِيَتْ عليه السكينة.

{ نُودِىَ يَٰمُوسَىٰ إِنِّى أَنَاْ رَبُّكَ }، قرأ أبو جعفر، وابن كثير، وأبو عمرو، "أَني" بفتح الألف، على معنى: نودي بأني. وقرأ الآخرون بكسر الألف، أي: نودي، فقيل: إني أنا ربُّك.

قال وهب: نودي من الشجرة، فقيل: يا موسى، فأجاب سريعاً ما يدري مَنْ دعاه، فقال: إني أسمع صوتك ولا أرى مكان فأين أنت؟ قال: أنا فوقك ومعك، وأمامك وخلفك، وأقرب إليك من نفسك، فعلم أن ذلك لا ينبغي إلا لله، فأيقن به.

قوله عزّ وجلّ: { فَٱخْلَعْ نَعْلَيْكَ }، وكان السبب فيه ما رُوي عن ابن مسعود مرفوعاً في قوله: { فَٱخْلَعْ نَعْلَيْكَ }، قال: كانتا من جلد حمار ميت. ويروى غير مدبوغ.

وقال عكرمة ومجاهد: أُمر بخلع النعلين ليباشر بقدمه تراب الأرض المقدسة، فيناله بركتها لأنها قُدِّست مرتين، فخلعهما موسى وألقاهما من وراء الوادي.

{ إِنَّكَ بِٱلْوَادِ ٱلْمُقَدَّسِ }، أي المطهر، { طُوًى }، وطوى اسم الوادي، وقرأ أهل الكوفة والشام: { طوىً } بالتنوين هاهنَا وفي سورة النازعات، وقرأ الآخرون بلا تنوين لأنه معدول عن "طاوٍ" فلما كان معدولاً عن وجهه كان مصروفاً عن إعرابه، مثل عُمَرَ، وزُفَرَ، وقال الضحاك: { طوى }: وادٍ مستدير عميق مثل الطوى في استدارته.