{ فَتَوَلَّىٰ فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ }، مكره وحيلته وسحرته، { ثُمَّ أَتَىٰ }، الميعاد.
{ قَالَ لَهُمْ مُّوسَىٰ }، يعني: للسحرة الذين جمعهم فرعون، وكانوا اثنين وسبعين ساحراً، مع كل واحد حبل وعصا.
وقيل: كانوا أربعمائة. وقال كعب: كانوا اثني عشر ألفاً. وقيل: أكثر من ذلك.
{ وَيْلَكُمْ لاَ تَفْتَرُواْ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً فَيُسْحِتَكُم بِعَذَابٍ }، قرأ حمزة والكسائي وحفص: { فيُسحتكم } بضم الياء وكسر الحاء، وقرأ الباقون بفتح الياء والحاء وهما لغتان. قال مقاتل والكلبي: فيهلككم. وقال قتادة: فيستأصلكم، { وَقَدْ خَابَ مَنِ ٱفْتَرَىٰ }.
{ فَتَنَـٰزَعُوۤاْ أَمْرَهُم بَيْنَهُمْ }، أي: تناظروا وتشاوروا، يعني السحرة في أمر موسى سراً من فرعون.
قال الكلبي: قالوا سراً: إن غلَبَنَا موسى اتبعناه.
وقال محمد بن إسحاق: لما قال لهم موسى: لا تفتروا على الله كذباً، قال بعضهم لبعض: ما هذا بقول ساحر.
{ وَأَسَرُّواْ ٱلنَّجْوَىٰ }، أي المناجاة، يكون مصدراً واسماً، ثم { قَالُوۤاْ }، وأسر بعضهم إلى بعض يتناجون، { إِنْ هَـٰذَٰنِ لَسَاحِرَٰنِ }، يعني موسى وهارون.
وقرأ ابن كثير وحفص: { إنْ } بتخفيف النون، { هذان } أي ما هذان إلا ساحران، كقوله:
{ وَإِن نَّظُنُّكَ لَمِنَ ٱلْكَـٰذِبِينَ } [الشعراء: 186]، أي ما نظنك إلاَّ من الكاذبين، ويُشَدِّد ابن كثير النون من { هذانّ }.
وقرأ أبو عمرو { إنَّ } بتشديد النون { هذين } بالياء على الأصل.
وقرأ الآخرون: { إنَّ } بتشديد النون، { هذان } بالألف، واختلفوا فيه:
فروىٰ هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة: أنه خطأ من الكاتب.
وقال قوم: هو لغة الحارث بن كعب، وخثعم، وكنانة، فإنهم يجعلون الاثنين في موضع الرفع والنصب والخفض بالألف، يقولون: أتاني الزيدان ورأيت الزيدان ومررت بالزيدان، فلا يتركون ألف التثنية في شيء منها، وكذلك يجعلون كل ياء ساكنة انفتح ما قبلها ألفاً، كما في التثنية، يقولون: كسرت يداه وركبت علاه، يعني يديه وعليه. وقال شاعرهم:
تزود مني بين أذناه ضربةدعته إلى هابي التراب عقيم
يريد بين أذنيه.
وقال آخر:
إِنَّ أَبَاهَا وأَبَا أَبَاهَاقَدْ بَلَغَا فِي المَجْدِ غَايَتَاهَا
وقيل: تقدير الآية: إنه هذان، فحذف الهاء.
وذهب جماعة إلى أن حرف "أن" هاهنا بمعنى نعم، أي نعم هذان. روي أن أعرابياً سأل ابن الزبير شيئاً فحرمه، فقال: لعن الله ناقة حملتني إليك، فقال ابن الزبير: إِنَّ وصاحبها، أي: نعم.
وقال الشاعر:
بَكَرَتْ عليَّ عَواذِلييَلْحِيْنَنِي وَأَلُومُهُنَّهّ
وَيَقُلْنَ شَيْبٌ قد عَلاَ ك وقد كَبُرْتَ فقلتُ إِنَّهْ
أي: نعم.
{ يُرِيدَانِ أَن يُخْرِجَاكُم مِّنْ أَرْضِكُم }، مصر، { بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ ٱلْمُثْلَىٰ }، قال ابن عباس: يعني بسراة قومكم وأشرافكم، يقال: هؤلاء طريقة قومهم أي أشرافهم، { ٱلْمُثْلَىٰ } تأنيث "الأمثل"، وهو الأفضل، حدَّث الشعبي عن علي، قال: يَصْرِفان وجوهَ الناس إليهما.
قال قتادة: طريقتهم الْمُثْلَىٰ يومئذ بنو إسرائيل كانوا أكثرَ القوم عدداً وأموالاً، فقال عدو الله: يريدان أن يذهبا بهم لأنفسهم.
وقيل: { بِطَرِيقَتِكُمُ ٱلْمُثْلَىٰ }: أي بسُنَّتِكم ودينكم الذي أنتم عليه، و{ ٱلْمُثْلَىٰ }: نعت الطريقة، تقول العرب: فلان على الطريقة المُثلى، يعني:على الهدىٰ المستقيم.