{ وَتَقَطَّعُوۤاْ أَمْرَهُم بَيْنَهُمْ }، أي اختلفوا في الدين فصاروا فرقاً وأحزاباً، قال الكلبي: فرّقُوا دينهم بينهم يلعن بعضهم بعضاً ويتبرأ بعضهم من بعض، والتقطع هاهنا بمعنى التقطيع، { كُلٌّ إِلَيْنَا رَٰجِعُونَ }، فنجزيهم بأعمالهم.
{ فَمَن يَعْمَلْ مِنَ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلاَ كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ }، لا يُجحد ولا يبطل سعيهُ بل يُشكر ويُثاب عليه، { وَإِنَّا لَهُ كَـٰتِبُونَ }، لعمله حافظون، وقيل: معنى الشكر من الله المجازاة.
{ وَحَرَامٌ عَلَىٰ قَرْيَةٍ }، قرأ حمزة والكسائي وأبو بكر: { وحِرْمٌ }، يكسر الحاء بلا ألف، وقرأ الباقون بالألف { حرام } وهما لغتان مثل حلٌ وحلال.
قال ابن عباس: معنى الآية وحرام على قرية أي أهل قرية، { أَهْلَكْنَـٰهَآ }، أن يرجعوا بعد الهلاك، فعلى هذا تكون { لاَ } صلة، وقال آخرون: الحرام بمعنى الواجب، فعلى هذا تكون { لاَ } ثابتاً معناه واجب على أهل قرية أهلكناهم { أَنَّهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ }، إلى الدنيا.
وقال الزجاج: معناه وحرام على أهل قرية أهلكناهم أي حكمنا بهلاكهم أن تتقبل أعمالهم لأنهم لا يرجعون أي لا يتوبون، والدليل على هذا المعنى أنه قال في الآية التي قبلها (فمن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا كفران لسعيه) أي يتقبل عمله، ثم ذكر هذه الآية عقيبه وبين أن الكافر لا يتقبل عمله.
قوله عز وجل: { حَتَّىٰ إِذَا فُتِحَتْ }، قرأ ابن عامر وأبو جعفر ويعقوب: { فُتّحت } بالتشديد على التكثير، وقرأ الآخرون بالتخفيف، { يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ }، يريد فتح السدّ عن يأجوج ومأجوج، { وَهُمْ مِّن كُلِّ حَدَبٍ }، أي نشز وتل، والحدب المكان المرتفع، { يَنسِلُونَ }، يسرعون النزول من الآكام والتلال كنسلان الذئب، وهو سرعة مشيه، واختلفوا في هذه الكناية، فقال قوم: عنىٰ بها يأجوج ومأجوج بدليل ما روينا عن النواس بن سمعان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:
"ويبعث الله يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون" وقال قوم: أراد جميع الخلق يعني أنهم يخرجون من قبورهم، ويدل عليه قراءة مجاهد وهم من كل جدث بالجيم والثاء كما قال: { فَإِذَا هُم مِّنَ ٱلأَجْدَاثِ إِلَىٰ رَبِّهِمْ يَنسِلُون } [يس: 51].
أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر الجرجاني، أخبرنا عبد الغافر بن محمد الفارسي، أخبرنا محمد بن عيسى الجلودي، أخبرنا إبراهيم بن محمد بن سفيان، أخبرنا مسلم بن حجاج، أخبرنا أبو خيثمة زهير ابن حرب، أخبرنا سفيان بن عيينة، عن فرات القزاز، عن أبي الطفيل، عن حذيفة بن أسيد الغفاري، قال اطَّلع النبي صلى الله عليه وسلم علينا ونحن نتذاكرُ، فقال: ما تذكرون؟ قالوا: نذكر الساعة. قال:
"إنها لن تقوم حتى تَرْوا قبلها عشر آيات، فذكر الدخان والدجال والدابة وطلوع الشمس من مغربها ونزول عيسى ابن مريم ويأجوج ومأجوج، وثلاثة خسوف: خسفٌ بالمغرب وخسفٌ بالمشرق وخسفٌ بجزيرة العرب، وآخر ذلك نار تخرج من اليمن تطرد الناس إلى محشرهم" .«