التفاسير

< >
عرض

إِنَّ ٱللَّهَ يُدْخِلُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ جَنَاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ إِنَّ ٱللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ
١٤
مَن كَانَ يَظُنُّ أَن لَّن يَنصُرَهُ ٱللَّهُ فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى ٱلسَّمَآءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ
١٥
-الحج

معالم التنزيل

قوله عز وجل: { إِنَّ ٱللَّهَ يُدْخِلُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ جَنَّـٰتٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَـٰرُ إِنَّ ٱللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ }.

{ مَن كَانَ يَظُنُّ أَن لَّن يَنصُرَهُ ٱللَّهُ }، يعني نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم { فِى ٱلدُّنْيَا وَٱلأَخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ }، أي: بحبل { إِلَى ٱلسَّمَآءِ } أراد بالسماء سقف البيت على قول الأكثرين، أي: ليشد حبلاً في سقف بيته فليختنق به حتى يموت، { ثُمَّ لْيَقْطَعْ } الحبل بعد الاختناق. وقيل: "ثم ليقطع" أي ليمد الحبل حتى ينقطع فيموت مختنقاً، { فَلْيَنظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ }، صنيعه وحيلته، { مَا يَغِيظُ } "ما" بمعنى المصدر، أي: هل يذهبنّ كيدُه وحيلتُه غيظَه، معناه: فليختنقْ غيظاً حتى يموت. وليس هذا على سبيل الحتم أي: أن يفعله لأنه لا يمكنه القطع والنظر بعد الاختناق والموت، ولكنه كما يقال للحاسد: إن لم تَرْضَ هذا فاختنق ومُتْ غيظاً.

وقال ابن زيد: المراد من السماء السماء المعروفة.

ومعنى الآية: من كان يظن أن لن ينصر الله نبيه ويكيد في أمره ليقطعه عنه فليقطعه من أصله، فإن أصله من السماء، فليمدد بسبب إلى السماء ثم ليقطع عن النبي صلى الله عليه وسلم الوحي الذي يأتيه فلينظر هل يقدر على إذهاب غيظه بهذا الفعل.

وروي أن هذه الآية نزلت في قوم من أسد وغطفان، دعاهم النبي صلى الله عليه وسلم إلى الإِسلام وكان بينهم وبين اليهود حلف، وقالوا: لا يمكننا أن نُسْلِم لأنا نخاف أن لا يُنْصرَ محمدٌ ولا يظهر أمره فينقطع الحلف بيننا وبين اليهود، فلا يميروننا ولا يؤوننا فنزلت هذه الآية.

وقال مجاهد: "النصر" بمعنى الرزق والهاء راجعة إلى { من } ومعناه: من كان يظن أن لن يرزقه الله في الدنيا والآخرة. نزلت فيمن أساء الظن بالله عز وجل وخاف ألا يرزقه الله، "فليمدد بسبب إلى السماء"، أي: إلى سماء البيت، فلينظر هل يذهبن فعله ذلك ما يغيظ، وهو خيفة أن لا يرزق.

وقد يأتي النصر بمعنى الرزق، تقول العرب: من ينصرني نصره الله. أي: من يعطني أعطاه الله، قال أبو عبيدة: تقول العرب: أرض منصورة، أي: ممطورة.

قرأ أبو عمرو، ونافع، وابن عامر، ويعقوب: "ثم ليقطع"ثم ليقضوا" بكسر اللام، والباقون بجزمها لأن الكل لام الأمر، زاد ابن عامر { وَلْيُوفُواْ نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُواْ } [الحج: 29] بكسر اللام فيهما، ومن كسر في: "ثم ليقطع" وفي "ثم ليقضوا" فرّق بأن ثَمَّ مفصول من الكلام، والواو كأنها من نفس الكلمة كالفاء في قوله "فلينظر".