التفاسير

< >
عرض

ذٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ ٱللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ ٱلأَنْعَامُ إِلاَّ مَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ فَٱجْتَنِبُواْ ٱلرِّجْسَ مِنَ ٱلأَوْثَانِ وَٱجْتَنِبُواْ قَوْلَ ٱلزُّورِ
٣٠
حُنَفَآءَ للَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَن يُشْرِكْ بِٱللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ ٱلسَّمَآءِ فَتَخْطَفُهُ ٱلطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ ٱلرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ
٣١
-الحج

معالم التنزيل

{ ذَٰلِكَ } أي: الأمر ذلك، يعني ما ذكر من أعمال الحج، { وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَـٰتِ ٱللَّهِ }، أي معاصي الله وما نهى عنه، وتعظيمها ترك ملابستها. قال الليث: حرمات الله ما لا يحل انتهاكها. وقال الزجاج: الحرمة ما وجب القيام به وحرم التفريط فيه، وذهب قوم إلى أن معنى الحرمات هاهنا: المناسك، بدلالة ما يتصل بها من الآيات. وقال ابن زيد: الحرمات هاهنا: البيت الحرام، والبلد الحرام والشهر الحرام، والمسجد الحرام، والإِحرام. { فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ }، أي: تعظيم الحرمات، خير له عند الله في الآخرة.

قوله عز وجل: { وَأُحِلَّتْ لَكُمُ ٱلأَنْعَـٰمُ }، أن تأكلوها إذا ذبحتموها وهي الإِبل والبقر والغنم، { إِلاَّ مَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ }، تحريمه، وهو قوله في سورة المائدة: { { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ ٱلْمَيْتَةُ وَٱلْدَّمُ } [المائدة: 3]، الآية، { فَٱجْتَنِبُواْ ٱلرِّجْسَ مِنَ ٱلأَوْثَـٰنِ } أي: عبادتها، يقول: كونوا على جانب منها فإنها رجس، أي: سبب الرجس، وهو العذاب، والرجس: بمعنى الرجز. وقال الزجاج: (من) هاهنا للتجنيس أي: اجتنبوا الأوثان التي هي رجس،{ وَٱجْتَنِبُواْ قَوْلَ ٱلزُّورِ }، يعني: الكذب والبهتان. وقال ابن مسعود: شهادة الزور، وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قام خطيباً فقال: "يا أيها الناس عدلت شهادة الزور بالشرك بالله" ، ثم قرأ هذه الآية. وقيل: هو قول المشركين في تلبيتهم: لبيك لا شريك لك لبيك إلا شريكاً هو لك تملكه وما ملك.

{ حُنَفَآءَ لِلَّهِ }، مخلصين له، { غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ }، قال قتادة: كانوا في الشرك يحجون، ويحرِّمون البنات والأمهات والأخوات، وكانوا يُسمون حنفاء، فنزلت: "حنفاء لله غير مشركين به" أي: حجاجاً لله مسلمين موحدين، يعني: مَنْ أشرك لا يكون حنيفاً.

{ وَمَن يُشْرِكْ بِٱللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ }، أي: سقط، { مِنَ ٱلسَّمَآءِ }، إلى الأرض، { فَتَخْطَفُهُ ٱلطَّيْرُ }، أي: تستلبه الطير وتذهب به، والخطف والاختطاف: تناول الشيء بسرعة، وقرأ أهل المدينة: فتخَطّفه بفتح الخاء وتشديد الطاء، أي: يتخطفه، { أَوْ تَهْوِى بِهِ ٱلرِّيحُ }، أي: تميل وتذهب به، { فِى مَكَانٍ سَحِيقٍ }، أي: بعيد، معناه: بُعْدَ من أشرك من الحق كبعد من سقط من السماء فذهبت به الطير، أو هَوَتْ به الريح، فلا يصل إليه بحال. وقيل: شبَّه حال المشرك بحال الهاوي من السماء في أنه لا يملك لنفسه حيلة حتى يقع بحيث تُسقطه الريح، فهو هالك لا محالة إما باستلاب الطير لحمه وإما بسقوطه إلى المكان السحيق، وقال الحسن: شبَّه أعمال الكفار بهذه الحال في أنها تذهب وتبطل فلا يقدرون على شيء منها.