التفاسير

< >
عرض

وَقُلْ رَّبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ ٱلشَّياطِينِ
٩٧
وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَن يَحْضُرُونِ
٩٨
حَتَّىٰ إِذَا جَآءَ أَحَدَهُمُ ٱلْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ٱرْجِعُونِ
٩٩
لَعَلِّيۤ أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلاَّ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَآئِلُهَا وَمِن وَرَآئِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ
١٠٠
فَإِذَا نُفِخَ فِي ٱلصُّورِ فَلاَ أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلاَ يَتَسَآءَلُونَ
١٠١
-المؤمنون

معالم التنزيل

{ وَقُلْ رَّبِّ أَعُوذُ بِكَ }، أي: أمتنعُ وأعتصمُ بك، { مِنْ هَمَزَاتِ ٱلشَّيـٰطِينِ }، قال ابن عباس: نزغاتهم. وقال الحسن: وساوسهم. وقال مجاهد: نفخهم ونفثهم. وقال أهل المعاني: دفعهم بالإِغواء إلى المعاصي، وأصل الهمزة شدة الدفع.

{ وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَن يَحْضُرُونِ }، في شيء من أموري، وإنما ذكر الحضور لأن الشيطان إذا حضره يوسوسه. ثم أخبر أن هؤلاء الكفار الذين ينكرون البعث يسألون الرجعة إلى الدنيا عند معاينة الموت، فقال:

{ حَتَّىٰ إِذَا جَآءَ أَحَدَهُمُ ٱلْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ٱرْجِعُونِ }، ولم يقل ارجعني، وهو يسأل الله وحده الرجعة، على عادة العرب فإنهم يخاطبون الواحد بلفظ الجمع على وجه التعظيم، كما أخبر الله تعالى عن نفسه فقال: { { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا ٱلذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَٰفِظُونَ } [الحجر: 9]، ومثله كثير في القرآن. وقيل: هذا الخطاب مع الملائكة الذين يقبضون روحه ابتداء بخطاب الله لأنهم استغاثوا بالله أولاً ثم رجعوا إلى مسألة الملائكة الرجوع إلى الدنيا.

قوله تعالى: { لَعَلِّىۤ أَعْمَلُ صَـٰلِحاً فِيمَا تَرَكْتُ }، أي: ضيّعتُ أن أقولَ لا إله إلا الله. وقيل: أعمل بطاعة الله. قال قتادة: ما تمنى أن يرجع إلى أهله وعشيرته ولا ليجمع الدنيا ويقضي الشهوات، ولكن تمنى أن يرجع فيعمل بطاعة الله، فرحم الله امرءاً عمل فيما يتمناه الكافر إذا رأى العذاب، { كَلاَّ }، كلمة ردع وزجر، أي: لا يرجع إليها، { إِنَّهَا } يعني: سؤاله الرجعة، { كَلِمَةٌ هُوَ قَآئِلُهَا }، ولا ينالها، { وَمِن وَرَآئِهِم بَرْزَخٌ }، أي أمامهم وبين أيديهم حاجز، { إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ }، والبرزخ الحاجز بين الشيئين، واختلفوا في معناه هاهنا، فقال مجاهد: حجاب بينهم وبين الرجوع إلى الدنيا. وقال قتادة: بقية الدنيا. وقال الضحاك: البرزخ ما بين الموت إلى البعث. وقيل: هو القبر، وهم فيه إلى يوم يبعثون.

{ فَإِذَا نُفِخَ فِى ٱلصُّورِ فَلاَ أَنسَـابَ بَيْنَهُمْ }، اختلفوا في هذه النفخة، فروى سعيد بن جبير عن ابن عباس: أنها النفخة الأولى { { وَنُفِخَ فِى ٱلصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِى ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَمَن فِى ٱلأَرْضِ } [الزمر: 68] { فَلاَ أَنسَـابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلاَ يَتَسَآءَلُونَ }، { { ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَىٰ فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنظُرُونَ } [الزمر: 68] { { وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ يَتَسَآءَلُونَ } [الصافات: 27].

وعن ابن مسعود: أنها النفخة الثانية، قال: يؤخذ بيد العبدِ والأَمَةِ يوم القيامة فيُنصبُ على رؤوس الأولين والآخرين ثم ينادي منادٍ: هذا فلان ابن فلان، فمن كان له قِبَله حق فليأت إلى حقه، فيفرح المرء أن يكون له الحق على والده وولده وزوجته أو أخيه فيأخذ منه، ثم قرأ ابن مسعود "فلا أنساب بينهم يومئذٍ ولا يتساءلون".

وفي رواية عطاء عن ابن عباس. أنها الثانية فلا أنساب بينهم أي: لا يتفاخرون بالأنساب يومئذٍ كما كانوا يتفاخرون في الدنيا، ولا يتساءلون سؤال تواصل كما كانوا يتساءلون في الدنيا: مَنْ أنت ومن أي قبيلة أنت؟ ولم يرد أن الأنساب تنقطع.

فإن قيل: أليس قد جاء في الحديث "كل سبب ونسب ينقطع إلا نسبي وسببي "

قيل: معناه لا يبقىٰ يوم القيامة كل سبب ولا نسب إلا نسبه وسببه، وهو الإِيمان والقرآن.

فإن قيل: قد قال هاهنا { وَلاَ يَتَسَآءَلُونَ } وقال في موضع آخر: { وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ يَتَسَآءَلُونَ } [الصافات: 27]؟.

الجواب: ما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن للقيامة أحوالاً ومواطن، ففي موطن يشتد عليهم الخوف، فيشغلهم عِظمُ الأمرِ عن التساؤل فلا يتساءلون، وفي موطن يفيقون إفاقةً فيتساءلون.